الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 316 ] آ. (7) قوله تعالى: فلها : في اللام أوجه: أحدها: أنها بمعنى "على"، أي: فعليها كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3030 - ... ... ... ... فخر صريعا لليدين وللفم

                                                                                                                                                                                                                                      أي: على اليدين. والثاني: أنها بمعنى إلى. قال الطبري: "أي: فإليها ترجع الإساءة". الثالث: أنها على بابها، وإنما أتى بها دونه "على" للمقابلة في قوله: " لأنفسكم " فأتى بها ازدواجا. وهذه اللام يجوز أن تتعلق بفعل مقدر كما تقدم في قول الطبري، وإما بمحذوف على أنها خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فلها الإساءة لا لغيرها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فإذا جاء وعد الآخرة ، أي: المرة الآخرة فحذفت "المرة" للدلالة عليها، وجواب الشرط محذوف تقديره: بعثناهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ليسوءوا وجوهكم متعلق بهذا الجواب المقدر. وقرأ ابن عامر وحمزة وأبو بكر: "ليسوء" بالياء المفتوحة وهمزة مفتوحة آخر الفعل. والفاعل: إما الله تعالى، وإما الوعد، وإما البعث، وإما النفير. والكسائي "لنسوء" بنون العظمة، أي: لنسوء نحن، وهو موافق لما قبله من قوله: "بعثنا عبادا لنا" و "رددنا" و "أمددنا"، وما بعده من قوله: "عدنا" و "جعلنا". [ ص: 317 ] وقرأ الباقون: "ليسوءوا" مسندا إلى ضمير الجمع العائد على العباد، أو على النفير; لأنه اسم جمع، وهو موافق لما بعده من قوله: وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا . وفي عود الضمير على النفير نظر; لأن النفير المذكور من المخاطبين، فكيف يوصف ذلك النفير بأنه يسوء وجوههم؟ اللهم إلا أن يريد هذا القائل أنه عائد على لفظه دون معناه، من باب: "عندي درهم ونصفه".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبي: "لنسوءن" بلام الأمر ونون التوكيد الخفيفة ونون العظمة، وهذا جواب ل "إذا"، ولكن على حذف الفاء، أي: فلنسوءن، ودخلت لام الأمر على فعل المتكلم كقوله تعالى: ولنحمل خطاياكم .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ علي بن أبي طالب: "ليسوءن" و "لنسوءن" بالياء أو النون التي للعظمة، ونون التوكيد الشديدة، واللام التي للقسم. وفي مصحف أبي: "ليسوء" بضم الهمزة من غير واو، وهذه القراءة تشبه أن تكون على لغة من يجتزئ عن الواو بالضمة، كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3031 - فلو أن الأطبا كان حولي      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      يريد: "كانوا". وقول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      3032 - إذا ما الناس جاع وأجدبوا      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      يريد "جاعوا"، فكذا هذه القراءة، أي: ليسوءوا، كما في القراءة الشهيرة، فحذف الواو. [ ص: 318 ] وقرئ: "ليسيء" بضم الياء وكسر السين وياء بعدها، أي: ليقبح الله وجوهكم، أو ليقبح الوعد، أو البعث. وفي مصحف أنس: "وجهكم" بالإفراد كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3033 - كلوا في بعض بطنكم تعفوا      ... ... ... ...

                                                                                                                                                                                                                                      [وكقوله:]


                                                                                                                                                                                                                                      3034 -... ... ... ... .     في حلقكم عظم وقد شجينا

                                                                                                                                                                                                                                      [وكقوله:]


                                                                                                                                                                                                                                      3035 - ... ... ... ...     وأما جلدها فصليب

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وليدخلوا" من جعل الأولى لام "كي" كانت هذه أيضا لام "كي" معطوفة عليها، عطف علة على أخرى، ومن جعلها لام أمر كأبي، أو لام قسم كعلي بن أبي طالب فاللام في "ليدخلوا" تحتمل وجهين: الأمر والتعليل، و كما دخلوه نعت لمصدر محذوف أو حال من ضميره، كما يقول سيبويه، أي: دخولا كما دخلوه. و أول مرة ظرف زمان، وتقدم الكلام عليها في براءة.

                                                                                                                                                                                                                                      [قوله:] ما علوا يجوز في "ما" أن تكون مفعولا بها، أي: ليهلكوا [ ص: 319 ] الذي علوه، وقيل: ليهدموه كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3036 - وما الناس إلا عاملان فعامل     يتبر ما يبني وآخر رافع

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز فيها أن تكون ظرفية، أي: مدة استعلائهم، وهذا محوج إلى حذف مفعول، اللهم إلا أن يكون القصد مجرد ذكر الفعل نحو: هو يعطي ويمنع.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية