الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (29) قوله تعالى: فأشارت : الإشارة معروفة تكون باليد والعين وغير ذلك وألفها عن ياء. وأنشدوا لكثير:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 594 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3230 - فقلت وفي الأحشاء داء مخامر ألا حبذا يا عز ذاك التشاير

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: من كان في المهد صبيا في "كان" هذه أقوال. أحدها: أنها زائدة وهو قول أبي عبيد، أي: كيف نكلم من في المهد. و "صبيا" على هذا نصب على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور الواقع صلة. وقد رد أبو بكر هذا القول - أعني كونها زائدة - بأنها لو كانت زائدة لما نصبت الخبر، وهذه قد نصبت "صبيا". وهذا الرد مردود بما ذكرته من نصبه على الحال لا الخبر.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أنها تامة بمعنى حدث ووجد. والتقدير: كيف نكلم من وجد صبيا، و "صبيا" حال من الضمير في "كان".

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أنها بمعنى صار، أي: كيف نكلم من صار في المهد صبيا، و "صبيا" على هذا خبرها، فهو كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3237 - ... ... ... ...     قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع: أنها الناقصة على بابها من دلالتها على اقتران مضمون الجملة بالزمان الماضي من غير تعرض للانقطاع كقوله تعالى: وكان الله غفورا رحيما ، ولذلك يعبر عنها بأنها ترادف "لم تزل". قال الزمخشري : "كان" لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم صالح للقريب والبعيد. [ ص: 595 ] وهو هنا لقريبه خاصة، والدال عليه معنى الكلام، وأنه مسوق للتعجب. ووجه آخر: وهو أن يكون "نكلم" حكاية حال ماضية، أي: كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس صبيا في المهد حتى نكلمه نحن؟

                                                                                                                                                                                                                                      وأما "من" فالظاهر أنها موصولة بمعنى الذي. ويضعف جعلها نكرة موصوفة، أي: كيف نكلم شخصا أو مولودا. وجوز الفراء والزجاج فيها أن تكون شرطية. و "كان" بمعنى "يكن"، وجواب الشرط: إما متقدم وهو "كيف نكلم"، أو محذوف لدلالة هذا عليه، أي: من يكن في المهد صبيا فكيف نكلمه؟ فهي على هذا مرفوعة المحل بالابتداء، وعلى ما قبله منصوبته ب "نكلم". وإذا قيل بأن "كان" زائدة. هل تتحمل ضميرا أم لا؟ فيه خلاف، ومن جوز استدل بقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3238 - فكيف إذا مررت بدار قوم     وجيران لنا كانوا كرام

                                                                                                                                                                                                                                      فرفع بها الواو. ومن منع تأول البيت بأنها غير زائدة، وأن خبرها هو "لنا" قدم عليها، وفصل بالجملة بين الصفة والموصوف.

                                                                                                                                                                                                                                      وأبو عمرو يدغم الدال في الصاد. والأكثرون على أنه إخفاء.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية