الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (63) قوله: أرأيت : قد تقدم الكلام فيها مشبعا في الأنعام. وقال أبو الحسن الأخفش: هنا فيها كلاما حسنا رأيت نقله وهو أن العرب أخرجتها عن معناها بالكلية، فقالوا: أرأيتك وأريتك بحذف الهمزة إذا كانت بمعنى أخبرني، وإذا كانت بمعنى أبصرت لم تحذف همزتها. وشذت أيضا فألزمتها الخطاب على هذا المعنى، ولا تقول فيها أبدا: "أراني زيدا عمرا ما صنع" وتقول هذا على معنى "اعلم". وشذت أيضا [ ص: 522 ] فأخرجتها عن موضعها بالكلية بدليل دخول الفاء، ألا ترى قوله: أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني فما دخلت الفاء إلا وقد أخرجت إلى معنى: أما أو تنبه. والمعنى: أما إذا أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت. وقد أخرجتها أيضا إلى معنى أخبرني كما قدمنا. وإذا كانت بمعنى أخبرني فلا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه، وتلزم الجملة التي بعدها الاستفهام، وقد تخرج لمعنى "أما"، ويكون أبدا بعدها الشرط وظروف الزمان، فقوله: "فإني نسيت" معناه: أما إذ أوينا فإني، أو تنبه إذ أوينا، وليست الفاء إلا جوابا لأرأيت لأن "إذ" لا يصح أن يجازى بها إلا مقرونة ب "ما" بلا خلاف.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : "أرأيت بمعنى أخبرني. فإن قلت: ما وجه التئام هذا الكلام، فإن كل واحد من "أرأيت" ومن "إذ أوينا"، ومن "فإني نسيت الحوت" [لا متعلق له]؟ قلت: لما طلب موسى الحوت ذكر يوشع ما رأى منه وما اعتراه من نسيانه إلى تلك الغاية، ودهش فطفق يسأل موسى عن سبب ذلك كأنه قال: أرأيت ما دهاني إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت. فحذف ذلك".

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: "وهذان مفقودان في تقدير الزمخشري "أرأيت بمعنى أخبرني". يعني بهذين ما تقدم في كلام الأخفش من أنه لا بد بعدها من الاسم المستخبر عنه ولزوم الاستفهام الجملة التي بعدها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وما أنسانيه قرأ حفص بضم الهاء. وكذا في قوله: [ ص: 523 ] عليه الله في سورة الفتح. قيل: لأن الياء هنا أصلها الفتح، والهاء بعد الفتحة مضمومة، فنظر هنا إلى الأصل. وأما في سورة الفتح فلأن الياء عارضة؛ إذ أصلها الألف، والهاء بعد الألف مضمومة فنظر إلى الأصل أيضا.

                                                                                                                                                                                                                                      والباقون بالكسر نظرا إلى اللفظ، فإنها بعد ياء ساكنة. وقد جمع حفص في قراءته بين اللغات في هاء الكناية: فإنه ضم الهاء في "أنسانيه" في غير صلة، ووصلها بياء في قوله: فيه مهانا على ما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقرأ كأكثر القراء فيما سوى ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: أن أذكره في محل نصب على البدل من هاء "أنسانيه" بدل اشتمال، أي: أنساني ذكره.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "عجبا" فيه أوجه، أحدها: أنه مفعول ثان ل "اتخذ". و "في البحر" يجوز أن يتعلق بالاتخاذ، أو بمحذوف على أنه حال من المفعول الأول أو الثاني.

                                                                                                                                                                                                                                      وفي فاعل "اتخذ" وجهان، أحدهما: هو الحوت، كما تقدم في "اتخذ" الأولى. والثاني: هو موسى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 524 ] الوجه الثاني من وجهي "عجبا" أنه مفعول به، والعامل فيه محذوف، فقال الزمخشري : "أو قال: عجبا في آخر كلامه تعجبا من حاله. وقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان اعتراض بين المعطوف والمعطوف عليه". فظاهر هذا أنه مفعول ب "قال"، أي: قال هذا اللفظ.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أنه مصدر، فالعامل فيه مقدر تقديره: فتعجب من ذلك عجبا.

                                                                                                                                                                                                                                      الرابع: أنه نعت لمصدر محذوف، ناصبه "اتخذ"، أي: اتخذ سبيله في البحر اتخاذا عجبا. وعلى هذه الأقوال الثلاثة يكون "في البحر" مفعولا ثانيا ل "اتخذ" إن عديناها لمفعولين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية