الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (78) قوله تعالى: لدلوك : في هذه اللام وجهان، أحدهما: أنها بمعنى "بعد"، أي: بعد دلوك الشمس، ومثله قول متمم بن نويرة:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 396 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3090 - فلما تفرقنا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا

                                                                                                                                                                                                                                      ومثله قولهم: "كتبته لثلاث خلون". والثاني: أنها على بابها، أي: لأجل دلوك. قال الواحدي: "لأنها إنما تجب بزوال الشمس".

                                                                                                                                                                                                                                      والدلوك: مصدر دلكت الشمس، وفيه ثلاثة أقوال، أشهرها: أنه الزوال، وهو نصف النهار. والثاني: أنه من الزوال إلى الغروب. قال الزمخشري : "واشتقاقه من الدلك; لأن الإنسان يدلك عينه عند النظر إليها". قلت: وهذا يفهم أنه ليس بمصدر; لأنه جعله مشتقا من المصدر. والثالث: أنه الغروب، وأنشد الفراء عليه قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3091 - هذا مقام قدمي رباح     ذبب حتى دلكت براح

                                                                                                                                                                                                                                      أي: غربت براح، وهي الشمس. وأنشد ابن قتيبة على ذلك قول ذي الرمة:


                                                                                                                                                                                                                                      3092 - مصابيح ليست باللواتي تقودها     نجوم ولا بالآفلات الدوالك

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 397 ] أي: الغاربات، وقال الراغب: دلوك الشمس ميلها للغروب، وهو من قولهم: دلكت الشمس: دفعتها بالراح، ومنه: دلكت الشيء في الراحة، ودلكت الرجل: ماطلته، والدلوك: ما دلكته من طيب، والدليك: طعام يتخذ من زبد وتمر.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إلى غسق الليل في هذا الجار وجهان، أحدهما: أنه متعلق ب "أقم" فهي لانتهاء غاية الإقامة، وكذلك اللام في "لدلوك" متعلقة به أيضا. والثاني: أنه متعلق بمحذوف على أنه حال من "الصلاة"، أي: أقمها ممدودة إلى غسق الليل، قاله أبو البقاء. وفيه نظر؛ من حيث إنه قدر المتعلق كونا مقيدا، إلا أن يريد تفسير المعنى لا الإعراب.

                                                                                                                                                                                                                                      والغسق: دخول أول الليل، قاله ابن شميل. وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      3093 - إن هذا الليل قد غسقا     واشتكيت الهم والأرقا

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو سواد الليل وظلمته، وأصله من السيلان: غسقت العين، أي: سال دمعها فكأن الظلمة تنصب على العالم وتسيل عليهم قال:


                                                                                                                                                                                                                                      3094 - ظلت تجود يداها وهي لاهية     حتى إذا هجم الإظلام والغسق

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 398 ] ويقال: غسقت العين: امتلأت دمعا، وغسق الجرح: امتلأ دما، فكأن الظلمة ملأت الوجود. والغاسق في قوله: ومن شر غاسق قيل: المراد به القمر إذا كسف واسود. وقيل: الليل. والغساق بالتخفيف والتشديد ما يسيل من صديد أهل النار. ويقال: غسق الليل وأغسق، وظلم وأظلم، ودجى وأدجى، وغبش وأغبش، نقله الفراء.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: قرآن الفجر فيه أوجه، أحدها: أنه عطف على "الصلاة"، أي: وأقم قرآن الفجر، والمراد به صلاة الصبح، عبر عنها ببعض أركانها. والثاني: أنه منصوب على الإغراء، أي: وعليك قرآن الفجر، كذا قدره الأخفش وتبعه أبو البقاء، وأصول البصريين تأبى هذا; لأن أسماء الأفعال لا تعمل مضمرة. الثالث: أنه منصوب بإضمار فعل، أي: كثر قرآن أو الزم قرآن الفجر.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية