الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (26) قوله: وقري عينا : "عينا" نصب على التمييز منقول من الفاعل، إذ الأصل: لتقر عينك. والعامة على فتح القاف من "قري" أمرا من قرت عينه تقر، بكسر العين في الماضي، وفتحها في المضارع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ بكسر القاف، وهي لغة نجد يقولون: قرت عينه تقر بفتح [ ص: 590 ] العين في الماضي وكسرها في المضارع، والمشهور أن مكسور العين في الماضي للعين، والمفتوحها في المكان. يقال: قررت بالمكان أقر به، وقد يقال: قررت بالمكان بالكسر. وسيأتي ذلك في قوله تعالى: وقرن في بيوتكن .

                                                                                                                                                                                                                                      وفي وصف العين بذلك تأويلان، أحدهما: أنه مأخوذ من "القر" وهو البرد: وذلك أن العين إذا فرح صاحبها كان دمعها قارا أي باردا، وإذا حزن كان حرا ولذلك قالوا في الدعاء عليه: "أسخن الله عينه"، وفي الدعاء له: "أقر الله عينه". وما أحلى قول أبي تمام:


                                                                                                                                                                                                                                      3230 - فأما عيون العاشقين فأسخنت وأما عيون الشامتين فقرت

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه مأخوذ من الاستقرار، والمعنى: أعطاه الله ما يسكن عينه فلا تطمح إلى غيره.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: فإما ترين دخلت "إن" الشرطية على "ما" الزائدة للتوكيد، فأدغمت فيها، وكتبت متصلة. و "ترين" تقدم تصريفه. والعامة على صريح الياء المكسورة وقرأ أبو عمرو في رواية: "ترئن" بهمزة مكسورة بدل [ ص: 591 ] الياء، وكذلك روي عنه "لترؤن" بإبدال الواو همزة. قال الزمخشري : هذا من لغة من يقول: لبأت بالحج وحلأت السويق - يعني بالهمز - وذلك لتآخ بين الهمز وحروف اللين. وتجرأ ابن خالويه على أبي عمرو فقال: "هو لحن عند أكثر النحويين".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ أبو جعفر قارئ المدينة وشيبة وطلحة: "ترين" بياء ساكنة ونون خفيفة. قال ابن جني: "وهي شاذة". قلت: لأنه كان ينبغي أن يؤثر الجازم، وتحذف نون الرفع. كقول الأفوه:


                                                                                                                                                                                                                                      3231 - إما تري رأسي أزرى به     ماس زمان ذي انتكاث مؤوس

                                                                                                                                                                                                                                      ولم يؤثر هنا شذوذا. وهذا نظير قول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      3232 - لولا فوارس من نعم وأسرتهم     يوم الصليفاء لم يوفون بالجار

                                                                                                                                                                                                                                      فلم يعمل "لم"، وأبقى نون الرفع.

                                                                                                                                                                                                                                      و "من البشر" حال من "أحدا" لأنه لو تأخر لكان وصفا. وقال أبو البقاء: "أو مفعول"، يعني أنه متعلق بنفس الفعل قبله.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "فقولي" بين هذا الجواب وشرطه جملة محذوفة، تقديره: فإما [ ص: 592 ] ترين من البشر أحدا فسألك الكلام فقولي. وبهذا المقدر نخلص من إشكال: وهو أن قولها: فلن أكلم اليوم إنسيا كلام، فيكون ذلك تناقضا; لأنها قد كلمت إنسيا بهذا الكلام. وجوابه ما تقدم: وقيل: المراد بقوله: "فقولي" إلى آخره، أنه بالإشارة. وليس بشيء. بل المعنى: فلن أكلم اليوم إنسيا بعد هذا الكلام.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ زيد بن علي: "صياما" بدل "صوم"، وهما مصدران.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية