الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (116) قوله تعالى: ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب : العامة على فتح الكاف وكسر الذال ونصب الباء. وفيه أربعة أوجه، أظهرها: أنه منصوب على المفعول به وناصبه "تصف" و "ما" مصدرية، ويكون معمول القول الجملة من قوله: هذا حلال وهذا حرام و لما تصف علة للنهي عن القول ذلك، أي: ولا تقولوا: هذا حلال وهذا حرام لأجل وصف ألسنتكم الكذب، وإلى هذا نحا الزجاج والكسائي، والمعنى: لا تحللوا ولا تحرموا لأجل قول تنطق به ألسنتكم من غير حجة.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أن ينتصب مفعولا به للقول، ويكون قوله: هذا حلال بدلا من "الكذب" لأنه عينه، أو يكون مفعولا بمضمر، أي: فيقولوا: هذا حلال وهذا حرام، و لما تصف علة أيضا، والتقدير: ولا تقولوا الكذب [ ص: 298 ] لوصف ألسنتكم. وهل يجوز أن تكون المسألة من التنازع على هذا الوجه، وذلك: أن القول يطلب "الكذب" و "تصف" أيضا يطلبه، أي: ولا تقولوا الكذب لما تصفه ألسنتكم؟ فيه نظر.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أن ينتصب على البدل من العائد المحذوف على "ما" إذا قلنا: إنها بمعنى الذي; التقدير: لما تصفه، ذكر ذلك الحوفي وأبو البقاء. الرابع: أن ينتصب بإضمار أعني، ذكره أبو البقاء، ولا حاجة إليه، ولا معنى عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن وابن يعمر وطلحة "الكذب" بالخفض وفيه وجهان، أحدهما: أنه بدل من الموصول، أي: ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب، أو للذي تصفه ألسنتكم الكذب، جعله نفس الكذب لأنه هو. والثاني: ذكره الزمخشري أن يكون نعتا ل "ما" المصدرية. ورده الشيخ: بأن النحاة نصوا على أن المصدر المنسبك من أن والفعل لا ينعت، لا يقال: "يعجبني أن تخرج السريع" ولا فرق بين هذا وبين باقي الحروف المصدرية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن أبي عبلة ومعاذ بن جبل بضم الكاف والذال، ورفع الباء [ ص: 299 ] صفة للألسنة كصبور وصبر، أو جمع كاذب كشارف وشرف، أو جمع "كذاب" نحو: كتاب وكتب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ مسلمة بن محارب فيما نقله ابن عطية كذلك، إلا أنه نصب الباء، وفيه ثلاثة أوجه، ذكرها الزمخشري . أحدها: أن تكون منصوبة على الشتم، يعني وهي في الأصل نعت للألسنة كما في القراءة قبلها. الثاني: أن تكون بمعنى الكلم الكواذب، يعني أنها مفعول بها، والعامل فيها: إما "تصف"، وإما القول على ما مر، أي: لا تقولوا الكلم الكواذب، أو لما تصف ألسنتكم الكلم الكواذب. الثالث: أن يكون جمع الكذاب من قولك "كذب كذابا"، يعني: فيكون منصوبا على المصدر; لأنه من معنى وصف الألسنة فيكون نحو: كتب في جمع كتاب، وقد قرأ الكسائي: "ولا كذابا" بالتخفيف كما سيأتي في النبأ.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "لتفتروا" في اللام ثلاثة أوجه، أحدها: قال الواحدي: "إنه بدل من: لما تصف لأن وصفهم الكذب هو افتراء على الله". قال الشيخ: "فهو على تقدير جعل "ما" مصدرية، أما إذا كانت بمعنى الذي فاللام فيها ليست للتعليل فيبدل منها ما يفهم التعليل، وإنما اللام في "لما" متعلقة ب "لا تقولوا" على حد تعلقها في قولك: لا تقولوا لما أحل الله: هذا [ ص: 300 ] حرام، أي: لا تسموا الحلال حراما وكما تقول: لا تقل لزيد عمرا، أي: لا تطلق عليه هذا الاسم. قلت: وهذا وإن كان ظاهرا، إلا أنه لا يمنع من إرادة التعليل، وإن كانت بمعنى الذي.

                                                                                                                                                                                                                                      الثاني: أنها للصيرورة إذ لم يفعلوه لذلك الغرض.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أنها للتعليل الصريح، ولا يبعد أن يصدر مثل ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية