الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (74) قوله: وكم أهلكنا : "كم" مفعول مقدم واجب التقديم; لأن له صدر الكلام لأنها إما: استفهامية أو خبرية، وهي محمولة على الاستفهامية، و "أهلكنا" متسلط على "كم" أي: كثيرا من القرون أهلكنا. و "من قرن" تمييز ل "كم" مبين لها.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: هم أحسن في هذه الجملة وجهان، أحدهما: - وإليه ذهب الزمخشري وأبو البقاء - أنها في محل نصب، صفة ل "كم". قال الزمخشري : "ألا ترى أنك لو أسقطت "هم" لم يكن لك بد من نصب "أحسن" على الوصفية". وفي هذا نظر لأن النحويين نصوا: على أن "كم" [ ص: 630 ] استفهامية كانت أو خبرية لا توصف ولا يوصف بها. الثاني: أنها في محل جر صفة ل "قرن" ولا محذور في هذا، وإنما جمع في قوله: "هم" لأن قرنا وإن كان لفظه مفردا فمعناه جمع، ف "قرن" كلفظ "جميع" و "جميع" يجوز مراعاة لفظه تارة فيفرد كقوله تعالى: نحن جميع منتصر ومراعاة معناه أخرى فيجمع ماله كقوله تعالى: لما جميع لدينا محضرون .

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ورئيا" الجمهور على "رئيا" بهمزة ساكنة بعدها ياء صريحة وصلا ووفقا، وحمزة إذا وقف يبدل هذه الهمزة ياء على أصله في تخفيف الهمز، ثم له بعد ذلك وجهان: الإظهار اعتبارا بالأصل، والإدغام اعتبارا باللفظ، وفي الإظهار صعوبة لا تخفى، وفي الإدغام إبهام أنها مادة أخرى: وهو الري الذي بمعنى الامتلاء والنضارة، ولذلك ترك أبو عمرو أصله في تخفيف همزه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ قالون عن نافع، وابن ذكوان عن ابن عامر: "وريا" بياء مشددة بعد الراء، فقيل: هي مهموزة الأصل، ثم أبدلت الهمزة ياء وأدغمت. والرأي بالهمز، قيل: من رؤية العين، وفعل فيه بمعنى مفعول، أي: مرئي. وقيل من الرواء وحسن المنظر. وقيل: بل هو من الري ضد العطش وليس مهموز الأصل، والمعنى: أحسن منظرا لأن الري والامتلاء أحسن من ضديهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ حميد وأبو بكر بن عاصم في رواية الأعشى: "وريئا" بياء ساكنة [ ص: 631 ] بعدها همزة وهو مقلوب من "رئيا" في قراءة العامة، ووزنه فلع، وهو من راءه يرآه كقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3252 - وكل خليل راءني فهو قائل من أجلك: هذا هامة اليوم أو غد

                                                                                                                                                                                                                                      وفي القلب من القلب ما فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وروى اليزيدي قراءة: "ورياء" بياء بعدها ألف، بعدها همزة، وهي من المراءاة، أي: يري بعضهم حسن بعض، ثم خفف الهمزة الأولى بقلبها ياء، وهو تخفيف قياسي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عباس أيضا في رواية طلحة: "وريا" بياء فقط مخففة. ولها وجهان، أحدهما: أن يكون أصلها كقراءة قالون، ثم خفف الكلمة بحذف إحدى الياءين، وهي الثانية لأن بها حصل الثقل، ولأنها لام الكلمة، والأواخر أحرى بالتغيير. والثاني: أن يكون أصلها كقراءة حميد: "وريئا" بالقلب، ثم نقل حركة الهمزة إلى الياء قبلها، وحذف الهمزة على قاعدة تخفيف الهمزة بالنقل، فصار: "وريا" كما ترى. وتجاسر بعض الناس فجعل هذه القراءة لحنا، وليس اللاحن غيره، لخفاء توجيهها عليه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عباس أيضا وابن جبير وجماعة: "وزيا" بزاي وياء مشددة، والزي: البزة الحسنة والآلات المجتمعة، لأنه من زوى كذا يزويه، أي: يجمعه، والمتزين يجمع الأشياء التي تزينه وتظهر زيه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية