الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (72) قوله تعالى: لعمرك : مبتدأ، محذوف الخبر وجوبا، ومثله: لايمن الله. و "إنهم" وما في حيزه جواب القسم تقديره: [ ص: 174 ] لعمرك قسمي أو يميني إنهم. والعمر والعمر بالفتح والضم هو البقاء، إلا أنهم التزموا الفتح في القسم. قال الزجاج: "لأنه أخف عليهم، وهم يكثرون القسم بـ "لعمري" و "لعمرك". وله أحكام كثيرة منها: أنه متى اقترن بلام الابتداء لزم فيه الرفع بالابتداء، وحذف خبره، لسد جواب القسم مسده. ومنها: أنه يصير صريحا في القسم، أي: يتعين فيه، بخلاف غيره نحو: عهد الله وميثاقه. ومنها: أنه يلزم فتح عينه، فإن لم يقترن به لام الابتداء جاز نصبه بفعل مقدر نحو: عمر الله لأفعلن، ويجوز حينئذ في الجلالة وجهان: النصب والرفع، فالنصب على أنه مصدر مضاف لفاعله وفي ذلك معنيان، أحدهما: أن الأصل: أسألك بتعميرك الله. أي: بوصفك الله تعالى بالبقاء، ثم حذف زوائد المصدر. والثاني: أن المعنى: عبادتك الله، والعمر: العبادة، حكى ابن الأعرابي: "عمرت ربي"، أي: عبدته، وفلان عامر ربه، أي: عابده.

                                                                                                                                                                                                                                      وأما الرفع: فعلى أنه مضاف لمفعوله. قال الفارسي: "معناه: عمرك الله تعميرا". وقال الأخفش: أصله: أسألك بتعميرك الله، فحذف زوائد المصدر والفعل والباء فانتصب، وجاز أيضا ذكر خبره فتقول: عمرك قسمي لأقومن، وجاز أيضا ضم عينه، وينشد بالوجهين قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      2945 - أيها المنكح الثريا سهيلا عمرك الله كيف يلتقيان

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 175 ] ويجوز دخول باء الجر عليه، نحو: بعمرك لأفعلن. قال:


                                                                                                                                                                                                                                      2946 - رقي بعمركم لا تهجرينا     ومنينا المنى ثم امطلينا

                                                                                                                                                                                                                                      وهو من الأسماء اللازمة للإضافة، فلا يقطع عنها، ويضاف لكل شيء. وزعم بعضهم أنه لا يضاف إلى الله. قيل: كأن قائل هذا توهم أنه لا يستعمل إلا في الانقطاع، وقد سمع إضافته للباري تعالى. قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      2947 - إذا رضيت علي بنو قشير     لعمر الله أعجبني رضاها

                                                                                                                                                                                                                                      ومنع بعضهم إضافته إلى ياء المتكلم قال: لأنه حلف بحياة المقسم، وقد ورد ذلك، قال النابغة:


                                                                                                                                                                                                                                      2943 - لعمري - وما عمري علي بهين -     لقد نطقت بطلا علي الأقارع

                                                                                                                                                                                                                                      وقد قلبته العرب بتقديم رائه على لامه فقالوا: "رعملي"، وهي رديئة.

                                                                                                                                                                                                                                      والعامة على كسر "إن" لوقوع اللام في خبرها. وقرأ أبو عمرو في رواية الجهضمي بفتحها. وتخريجها على زيادة اللام وهي كقراءة [ ص: 176 ] ابن جبير: "إلا أنهم ليأكلون الطعام" بالفتح.

                                                                                                                                                                                                                                      والأعمش: "سكرهم" دون تاء. وابن أبي عبلة: "سكراتهم" جمعا. والأشهب: "سكرتهم" بضم السين.

                                                                                                                                                                                                                                      و "يعمهون" حال من الضمير المستكن في الجار، وإما من الضمير المجرور بالإضافة. والعامل: إما نفس "سكرة" لأنها مصدر، وإما معنى الإضافة.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية