الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 420 ] آ. (101) قوله تعالى: تسع آيات بينات : يجوز في "بينات" النصب صفة للعدد، والجر صفة للمعدود.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إذ جاءهم فيه أوجه، أحدها: أن يكون معمولا ل "آتينا"، ويكون قوله: فاسأل بني إسرائيل اعتراضا. والثاني: أنه منصوب بإضمار اذكر. والثالث: أنه منصوب ب يخبرونك مقدرا. الرابع: أنه منصوب بقول مضمر، إذ التقدير: فقلنا له: سل بني إسرائيل حين جاءهم. وقد ذكر هذه الأوجه الزمخشري مرتبة على مقدمة ذكرها قبل ذلك فلنذكرها. قال: " فاسأل بني إسرائيل ، أي: فقلنا له: سل بني [إسرائيل]، أي: سلهم عن فرعون، وقل له: أرسل معي بني إسرائيل، أو سلهم عن إيمانهم وحال دينهم، أو سلهم أن يعاضدوك، وتدل عليه قراءة رسول الله: "فسال" على لفظ الماضي بغير همز وهي لغة قريش.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: فسل يا رسول الله المؤمن من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وأصحابه عن الآيات ليزدادوا يقينا وطمأنينة كقوله: ولكن ليطمئن قلبي . ثم قال: فإن قلت: بم تعلق "إذ جاءهم"؟ قلت: أما على الوجه الأول فبالقول المحذوف، أي: فقلنا له: سلهم حين جاءهم، أو ب "سال" في القراءة الثانية. وأما على الأخير فب "آتينا" أو بإضمار اذكر، أو بيخبرونك. ومعنى إذ جاءهم: إذ جاء آباءهم". انتهى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 421 ] قال الشيخ: "ولا يتأتى تعلقه ب "اذكر" ولا ب يخبرونك لأنه ظرف ماض". قلت: إذا جعله معمولا ل "اذكر"، أو ل "يخبرونك" لم يجعله ظرفا بل مفعولا به، كما تقرر ذلك غير مرة.

                                                                                                                                                                                                                                      الخامس: أنه مفعول به والعامل فيه "فسل". قال أبو البقاء: فيه وجهان، أحدهما: هو مفعول به باسأل على المعنى لأن المعنى: اذكر لبني إسرائيل [إذ جاءهم] وقيل: التقدير: اذكر إذ جاءهم وهي غير "اذكر" الذي قدرت به اسأل". يعني أن اذكر المقدرة غير "اذكر" الذي فسرت "اسأل" بها، وهذا يؤيد ما ذكرته لك من أنهم إذا قدروا "اذكر" جعلوا "إذ" مفعولا به لا ظرفا.

                                                                                                                                                                                                                                      إلا أن أبا البقاء ذكر حال كونه ظرفا ما يقتضي أن يعمل فيه فعل مستقبل فقال: والثاني: أن يكون ظرفا. وفي العامل فيه أوجه، أحدها: "آتينا". والثاني: "قلنا" مضمرة. والثالث: "قل"، تقديره: قل لخصمك: سل. والمراد به فرعون، أي: قل يا موسى، وكان الوجه أن يقال: إذ جئتهم بالفتح، فرجع من الخطاب إلى الغيبة.

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: فظاهر الوجه الثالث أن العامل فيه "قل" وهو ظرف ماض، على أن هذا المعنى الذي نحا إليه ليس بشيء; إذ يرجع إلى: يا موسى قل لفرعون: سل بني إسرائيل، فيعود فرعون هو السائل لبني إسرائيل، وليس المراد ذلك قطعا، وعلى التقدير الذي قدمته عن الزمخشري وهو أن [ ص: 422 ] المعنى: يا موسى سل بني إسرائيل، أي: اطلبهم من فرعون -يكون المفعول الأول للسؤال محذوفا، والثاني هو "بني إسرائيل"، والتقدير: سل فرعون بني إسرائيل، وعلى هذا فيجوز أن تكون المسألة من التنازع، وأعمل الثاني، إذ التقدير: سل فرعون فقال فرعون، فأعمل الثاني فرفع به الفاعل، وحذف المفعول من الأول وهو المختار من المذهبين.

                                                                                                                                                                                                                                      والظاهر غير ذلك كله، وأن المأمور بالسؤال إنما هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه، وبنو إسرائيل كانوا معاصريه.

                                                                                                                                                                                                                                      والضمير في إذ جاءهم : إما للآباء، وإما لهم على حذف مضاف، أي: جاء آباءهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "مسحورا" فيه وجهان، أظهرهما: أنه بمعناه الأصلي، أي: إنك سحرت، فمن ثم اختل كلامك، قال ذلك حين جاءه بما لا تهوى نفسه الخبيثة. الثاني: أنه بمعنى فاعل كميمون ومشؤوم، أي: أنت ساحر; فلذلك تأتي بالأعاجيب، يشير لانقلاب عصاه حية وغير ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية