الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (64) قوله تعالى: واستفزز : جملة أمرية عطفت على مثلها من قوله: "اذهب". و من استطعت يجوز فيه وجهان، أحدهما: أنها موصولة في محل نصب مفعولا للاستفزاز، أي: استفزز الذي استطعت استفزازه منهم. والثاني: أنها استفهامية منصوبة المحل ب "استطعت" قاله أبو البقاء، وليس بظاهر لأن "استفزز" يطلبه مفعولا به، فلا يقطع عنه، ولو جعلناه استفهاما لكان معلقا له، وليس هو بفعل قلبي فيعلق.

                                                                                                                                                                                                                                      والاستفزاز: الاستخفاف، واستفزني فلان: استخفني حتى خدعني لما يريده. قال:


                                                                                                                                                                                                                                      3079 - يطيع سفيه القوم إذ يستفزه ويعصي حليما شيبته الهزاهز

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 382 ] ومنه سمي ولد البقرة "فزأ". قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3080 - كما استغاث بسيء فز غيطلة     خاف العيون ولم ينظر به الحشك

                                                                                                                                                                                                                                      وأصل الفز: القطع، يقال: تفزز الثوب، أي: تقطع.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "وأجلب"، أي: اجمع عليهم الجموع من جندك، يقال: أجلب عليه وجلب، أي: جمع عليه الجموع. وقيل: أجلب عليه: توعده بشر. وقيل: أجلب عليه: أعان، وأجلب، أي: صاح صياحا شديدا، ومنه الجلبة، أي: الصياح.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "ورجلك" قرأ حفص بكسر الجيم، والباقون بسكونها، فقراءة حفص "رجل" فيها بمعنى رجل بالضم بمعنى راجل يقال: رجل يرجل إذا صار راجلا، فيكون مثل: حذر وحذر، وندس وندس، وهو مفرد أريد به الجمع. وقال ابن عطية: هي صفة، يقال: فلان يمشي رجلا إذا كان غير راكب، ومنه قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3081 - ... ... ... ...     رجلا إلا بأصحابي

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: يشير إلى البيت المشهور وهو:


                                                                                                                                                                                                                                      فما أقاتل عن ديني على فرسي     إلا كذا رجلا إلا بأصحابي

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 383 ] أراد: فارسا ولا راجلا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الزمخشري : "على أن فعلا بمعنى فاعل نحو: تعب وتاعب، ومعناه: وجمعك الرجل، وتضم جيمه أيضا فيكون مثل: حذر وحذر، وندس وندس، وأخوات لهما".

                                                                                                                                                                                                                                      وأما قراءة الباقين فتحتمل أن تكون تخفيفا من "رجل" بكسر الجيم أو ضمها، والمشهور: أنه اسم جمع لراجل كركب وصحب في راكب وصاحب. والأخفش يجعل هذا النحو جمعا صريحا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ عكرمة: "ورجالك" جمع رجل بمعنى راجل، أو جمع راجل كقائم وقيام. وقرئ: "ورجالك" بضم الراء وتشديد الجيم، وهو جمع راجل كضارب وضراب.

                                                                                                                                                                                                                                      والباء في "بخيلك" يجوز أن تكون الحالية، أي: مصاحبا بخيلك، وأن تكون مزيدة كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3082 - ... ... ... ...     لا يقرأن بالسور

                                                                                                                                                                                                                                      وقد تقدم في البقرة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 384 ] قوله: وما يعدهم الشيطان من باب الالتفات وإقامة الظاهر مقام المضمر; إذ لو جرى على سنن الكلام الأول لقال: وما تعدهم، بالتاء من فوق.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: إلا غرورا فيه أوجه، أحدها: أنه نعت مصدر محذوف وهو نفسه مصدر، الأصل: إلا وعدا غرورا، فيجيء فيه ما في: "رجل عدل"، أي: إلا وعدا ذا غرور، أو على المبالغة أو على: وعدا غارا، ونسب الغرور إليه مجازا. الثاني: أنه مفعول من أجله، أي: ما يعدهم مما يعدهم من الأماني الكاذبة إلا لأجل الغرور. الثالث: أنه مفعول به على الاتساع، أي: ما يعدهم إلا الغرور نفسه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية