الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 109 ] آ. (34) قوله تعالى: من كل ما سألتموه : العامة على إضافة "كل" إلى "ما" وفي "من" قولان، أحدهما: أنها زائدة في المفعول الثاني، أي: كل ما سألتموه، وهذا إنما يتأتى على قول الأخفش. والثاني: أن تكون تبعيضية، أي: آتاكم بعض جميع ما سألتموه نظرا لكم ولمصالحكم، وعلى هذا فالمفعول محذوف، تقديره: وآتاكم شيئا من كل ما سألتموه، وهو رأي سيبويه.

                                                                                                                                                                                                                                      و "ما" يجوز فيها أن تكون موصولة اسمية أو حرفية أو نكرة موصوفة، والمصدر واقع موقع المفعول، أي: مسؤولكم. فإن كانت مصدرية فالضمير في "سألتموه" عائد على الله تعالى، وإن كانت موصولة أو موصوفة كان عائدا عليها، ولا يجوز أن يكون عائدا على الله تعالى، وعائد الموصول أو الموصوف محذوف; لأنه: إما أن يقدر متصلا: سألتموهوه أو منفصلا: سألتموه إياه، وكلاهما لا يجوز فيه الحذف لما قدمت لك أول البقرة في قوله: ومما رزقناهم ينفقون .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ ابن عباس ومحمد بن علي وجعفر بن محمد والحسن والضحاك وعمرو بن فائد وقتادة وسلام ويعقوب ونافع في رواية: من كل منونة. وفي "ما" على هذه القراءة وجهان، أحدهما: أنها نافية، وبه بدأ الزمخشري فقال: "وما سألتموه نفي، ومحله النصب على الحال، أي: [ ص: 110 ] آتاكم من جميع ذلك غير سائليه". قلت: ويكون المفعول الثاني هو الجار من قوله: "من كل"، كقوله: وأوتيت من كل شيء .

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها موصولة بمعنى الذي، هي المفعول الثاني لآتاكم. وهذا التخريج الثاني أولى، لأن في الأول منافاة في الظاهر لقراءة العامة. قال الشيخ: ولما أحس الزمخشري بظهور التنافي بين هذه القراءة وبين تلك قال: ويجوز أن تكون "ما" موصولة على: وآتاكم من كل ذلك ما احتجتم إليه، ولم تصلح أحوالكم ولا معائشكم إلا به، فكأنكم طلبتموه أو سألتموه بلسان الحال، فتأول "سألتموه" بمعنى ما احتجتم إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "نعمة" في معنى المنعم به، وختمت هذه بـ إن الإنسان لظلوم ، ونظيرتها في النحل بـ إن الله لغفور رحيم ، لأن في هذه تقدم قوله ألم تر إلى الذين بدلوا نعمت الله كفرا ، وبعده وجعلوا لله أندادا ، فجاء قوله إن الإنسان شاهدا بقبح من فعل ذلك، فناسب ختمها بذلك، والتي في النحل ذكر فيها عدة تفصيلات وبالغ فيها، وذكر قوله: أفمن يخلق كمن لا يخلق ، أي: من أوجد هذه النعم السابق ذكرها كمن لم يقدر منها على شيء، فذكر أيضا أن من جملة تفضلاته اتصافه بهاتين الصفتين.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية