الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (23) قوله: فأجاءها : الأصل في "جاء" أن يتعدى لواحد بنفسه، فإذا دخلت عليه الهمزة كان القياس يقتضي تعديه لاثنين. قال الزمخشري : "إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء، ألا تراك لا تقول: جئت المكان وأجاءنيه زيد، كما تقول: بلغته وأبلغنيه، ونظيره: "آتى" حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء ولم تقل: أتيت المكان وآتانيه فلان". وقال أبو البقاء: الأصل "جاءها" ثم عدي بالهمزة إلى مفعول ثان، واستعمل بمعنى ألجأها.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 580 ] قال الشيخ: قوله وقول [غيره]: إن "أجاءها" بمعنى ألجأها يحتاج إلى نقل أئمة اللغة المستقرئين لذلك من لسان العرب. والإجاءة تدل على المطلق، فتصلح لما هو بمعنى الإلجاء ولما هو بمعنى الاختيار، كما تقول: "أقمت زيدا" فإنه يصلح أن تكون إقامتك له قسرا أو اختيارا. وأما قوله: "ألا تراك لا تقول" إلى آخره فمن رأى أن التعدية بالهمزة قياس أجاز ذلك وإن لم يسمع، ومن منع فقد سمع ذلك في "جاء" فيجيز ذلك. وأما تنظيره ذلك ب "آتى" فليس تنظيرا صحيحا; لأنه بناه على أن همزته للتعدية، وأن أصله "أتى"، بل "آتى" مما بني على أفعل، ولو كان منقولا من "آتى" المتعدي لواحد لكان ذلك الواحد هو المفعول الثاني، والفاعل هو الأول، إذا عديته بالهمزة تقول: "أتى المال زيدا" و "آتى عمرو زيدا المال"، فيختلف التركيب بالتعدية لأن "زيدا" عند النحويين هو المفعول الأول، و "المال" هو المفعول الثاني، وعلى ما ذكره الزمخشري كان يكون العكس، فدل على أنه ليس على ما قاله، وأيضا فآتى مرادف لأعطى، فهو مخالف من حيث الدلالة في المعنى. وقوله: "ولم تقل: أتيت المكان وآتانيه" هذا غير مسلم بل تقول: "أتيت المكان" كما تقول: "جئت المكان". وقال الشاعر:

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 581 ]

                                                                                                                                                                                                                                      3219 - أتوا ناري فقلت منون أنتم فقالوا: الجن قلت عموا ظلاما

                                                                                                                                                                                                                                      ومن رأى التعدية بالهمزة قياسا، قال: "آتانيه" وهذه الأبحاث التي ذكرها الشيخ معه ظاهره الأجوبة، فلا نطول بذكرها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الجمهور "فأجاءها"، أي: ألجأها وساقها، ومنه قوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3220 - وجار سار معتمدا إليكم     أجاءته المخافة والرجاء

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ حماد بن سلمة: "فاجأها" بألف بعد الفاء وهمزة بعد الجيم، من المفاجأة، بزنة قابلها. ويقرأ بألفين صريحتين كأنهم خففوا الهمزة بعد الجيم، وكذلك رويت بين بين.

                                                                                                                                                                                                                                      والجمهور على فتح الميم من "المخاض" وهو وجع الولادة.

                                                                                                                                                                                                                                      وروي عن ابن كثير بكسر الميم، فقيل: هما بمعنى. وقيل: المفتوح اسم مصدر كالعطاء والسلام، والمكسور مصدر كالقتال واللقاء، والفعال قد جاء من واحد كالعقاب والطراق. قاله أبو البقاء. والميم أصلية لأنه من تمخضت الحامل تتمخض.

                                                                                                                                                                                                                                      و إلى جذع يتعلق في قراءة العامة ب "أجاءها"، أي: ساقها إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 582 ] وفي قراءة حماد بمحذوف لأنه حال من المفعول، أي: فاجأها مستندة إلى جذع النخلة.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "نسيا" الجمهور على كسر النون وسكون السين وبصريح الياء بعدها. وقرأ حمزة وحفص وجماعة بفتح النون، فالمكسور فعل بمعنى مفعول كالذبح والطحن، ومعناه الشيء الحقير الذي من شأنه أن ينسى كالوتد والحبل وخرقة الطمث ونحوها.

                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن الأنباري: "من كسر فهو اسم لما ينسى كالنقص اسم لما ينقص، والمفتوح مصدر يسد مسد الوصف". وقال الفراء: "هما لغتان كالوتر والوتر، الكسر أحب إلي".

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ محمد بن كعب القرظي: "نسئا" بكسر النون، والهمزة بدل الياء. وروي عنه أيضا وعن بكر بن حبيب السهمي فتح مع الهمز. قالوا: وهو من نسأت اللبن إذا صببت فيه ماء فاستهلك فيه، فالمكسور أيضا كذلك الشيء المستهلك، والمفتوح مصدر كما كان ذلك من النسيان.

                                                                                                                                                                                                                                      ونقل ابن عطية عن بكر بن حبيب: "نسا" بفتح النون والسين والقصر كعصا، كأنه جعل فعلا بمعنى مفعول كالقبض بمعنى المقبوض.

                                                                                                                                                                                                                                      و "منسيا" نعت على المبالغة، وأصله منسوي فأدغم. وقرأ أبو جعفر [ ص: 583 ] والأعمش: "منسيا" بكسر الميم للإتباع لكسرة السين، ولم يعتدوا بالساكن لأنه حاجز غير حصين كقولهم: "منتن" و "منخر".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية