الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (44) قوله: هنالك الولاية لله : يجوز أن يكون الكلام تم على قوله "منتصرا" وهذه جملة منقطعة عما قبلها، وعلى هذا فيجوز في الكلام أوجه، أحدها: أن يكون "هنالك الولاية" مقدرا بجملة فعلية، فالولاية فاعل بالظرف قبلها، أي: استقرت الولاية لله، و "لله" متعلق بالاستقرار، أو بنفس الظرف لقيامه مقام العامل أو بنفس الولاية، أو بمحذوف على أنه حال من "الولاية"، وهذا إنما يتأتى على رأي الأخفش من حيث إن الظرف يرفع الفاعل من غير اعتماد.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أن يكون "هنالك" منصوبا على الظرف متعلقا بخبر "الولاية" [ ص: 499 ] وهو "لله" أو بما تعلق به "لله" أو بمحذوف على أنه حال منها، والعامل الاستقرار في "لله" عند من يجيز تقدم الحال على عاملها المعنوي، أو يتعلق بنفس "الولاية".

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أن يجعل "هنالك" هو الخبر، و "لله" فضلة، والعامل فيه ما تقدم في الوجه الأول.

                                                                                                                                                                                                                                      ويجوز أن يكون "هنالك" من تتمة ما قبلها فلم يتم الكلام دونه، وهو معمول ل "منتصرا"، أي: وما كان منتصرا في الدار الآخرة، و "هنالك" إشارة إليها. وإليه نحا أبو إسحاق. وعلى هذا فيكون الوقف على "هنالك" تاما، والابتداء بقوله: "الولاية لله" فتكون جملة من مبتدأ وخبر.

                                                                                                                                                                                                                                      والظاهر في "هنالك": أنه على موضوعه من ظرفية المكان كما تقدم معناه. وتقدم أن الأخوين يقرآن "الولاية" بالكسر، والفرق بينها وبين قراءة الباقين بالفتح في سورة الأنفال فلا معنى لإعادته.

                                                                                                                                                                                                                                      وحكي عن أبي عمرو والأصمعي أن كسر الواو هنا لحن. قالا: لأن فعالة إنما تجيء فيما كان صنعة أو معنى متقلدا، وليس هناك تولي أمور.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 500 ] قوله: "الحق" قرأ أبو عمرو والكسائي برفع "الحق" والباقون بجره، والرفع، من ثلاثة أوجه، أحدها: أنه صفة للولاية. الثاني: أنه خبر مبتدأ مضمر، أي: هو، أي: ما أوحيناه إليك. الثالث: أنه مبتدأ، وخبره مضمر، أي: الحق ذلك. وهو ما قلناه.

                                                                                                                                                                                                                                      والجر على أنه صفة للجلالة الكريمة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ زيد بن علي وأبو حيوة وعمرو بن عبيد ويعقوب "الحق" نصبا على المصدر المؤكد لمضمون الجملة كقولك: "هذا عبد الله الحق لا الباطل".

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "عقبا" قرأ عاصم وحمزة بسكون القاف، والباقون بضمها. فقيل: لغتان كالقدس والقدس. وقيل: الأصل الضم، والسكون تخفيف. وقيل: بالعكس كالعسر واليسر، وهو عكس معهود اللغة. ونصبها ونصب "ثوابا" و "أملا" على التمييز لأفعل التفضيل قبلها. ونقل الزمخشري أنه قرئ: "عقبى" بالألف وهي مصدر أيضا كبشرى، وتروى عن عاصم.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية