الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (62) قوله تعالى: أرأيتك : قد ذكرت مستوفاة في الأنعام. وقال الزمخشري : "الكاف للخطاب، و "هذا" مفعول به، والمعنى: أخبرني عن هذا الذي كرمته علي، أي: فضلته لم كرمته وأنا خير منه؟ فاختصر الكلام". وهذا قريب من كلام الحوفي.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عطية: والكاف في "أرأيتك" حرف خطاب لا موضع لها من الإعراب، ومعنى "أرأيت" أتأملت ونحوه، كأن المخاطب ينبه المخاطب ليستجمع لما ينص عليه [بعد]. وقال سيبويه: وهي بمعنى أخبرني، ومثل بقوله: "أرأيتك زيدا أبو من هو؟" وقول سيبويه صحيح، حيث يكون [ ص: 379 ] بعدها استفهام كمثاله، وأما في الآية فهي كما قلت، وليست التي ذكر سيبويه. قلت: وهذا الذي ذكره ليس بمسلم، بل الآية كمثاله، غاية ما في الباب أن المفعول الثاني محذوف وهو الجملة الاستفهامية المقدرة، لانعقاد الكلام من مبتدأ وخبر، لو قلت: هذا الذي كرمته علي لم كرمته؟

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الفراء: الكاف في محل نصب، أي "أرأيت نفسك" كقولك: أتدبرت آخر أمرك فإني صانع فيه كذا ثم ابتدأ: "هذا الذي كرمت علي".

                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو البقاء: "والمفعول الثاني محذوف، تقديره: تفضيله أو تكريمه". قلت. وهذا لا يجوز لأن المفعول الثاني في هذا الباب لا يكون إلا جملة مشتملة على استفهام.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: "ولو ذهب ذاهب إلى أن الجملة القسمية هي المفعول الثاني لكان حسنا". قلت: يرد ذلك التزام كون المفعول الثاني جملة مشتملة على استفهام وقد تقرر جميع ذلك في الأنعام فعليك باعتباره هنا.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: لئن أخرتن قرأ ابن كثير بإثبات ياء المتكلم وصلا ووقفا، ونافع وأبو عمرو بإثباتها وصلا وحذفها وقفا، وهذه قاعدة من ذكر في الياءات الزائدة على الرسم، والباقون بحذفها وصلا ووقفا، هذا كله في حرف هذه [ ص: 380 ] السورة، أما الذي في المنافقين في قوله: لولا أخرتني فأثبته الكل لثبوتها في الرسم الكريم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "لأحتنكن" جواب القسم الموطأ له باللام. ومعنى "لأحتنكن" لأستولين عليهم استيلاء من جعل في حنك الدابة حبلا يقودها به فلا تأبى ولا تشمس عليه. يقال: حنك فلان الدابة واحتنكها، أي: فعل بها ذلك، واحتنك الجراد الأرض: أكل نباتها قال:


                                                                                                                                                                                                                                      3077 - نشكو إليك سنة قد أجحفت جهدا إلى جهد بنا فأضعفت

                                                                                                                                                                                                                                      واحتنكت أموالنا وجلفت

                                                                                                                                                                                                                                      وحكى سيبويه: "أحنك الشاتين"، أي: آكلهما، أي: أكثرهما أكلا.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية