الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (61) قوله تعالى: جنات عدن : العامة على كسر التاء نصبا على أنها بدل من "الجنة"، وعلى هذه القراءة يكون قوله: ولا يظلمون شيئا فيه وجهان، أحدهما: أنه اعتراض بين البدل والمبدل منه. الثاني: أنه حال، كذا قال الشيخ. وفيه نظر: من حيث إن المضارع المنفي ب "لا" كالمثبت في أنه لا تباشره واو الحال.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 611 ] وقرأ أبو حيوة والحسن وعيسى بن عمر والأعمش "جنات" بالرفع وفيه وجهان، أحدهما: أنه خبر مبتدأ مضمر تقديره: تلك، أو هي جنات عدن. الثاني: - وبه قال الزمخشري - أنها مبتدأ، يعني ويكون خبرها: التي وعد .

                                                                                                                                                                                                                                      وقرأ الحسن بن حي وعلي بن صالح والأعمش في رواية: "جنة عدن" نصبا مفردا. واليماني والحسن والأزرق عن حمزة: "جنة" رفعا مفردا، وتخريجها واضح مما تقدم. قال الزمخشري : لما كانت مشتملة على جنات عدن أبدلت منها كقولك: "أبصرت دارك القاعة والعلالي"، و "عدن" معرفة علم بمعنى العدن وهو الإقامة كما جعلوا فينة وسحر وأمس - فيمن لم يصرفه - أعلاما لمعاني الفنية والسحر والأمس، فجرى مجرى العدن لذلك، أو هو علم لأرض الجنة لكونها دار إقامة، ولولا ذلك لما ساغ الإبدال لأن النكرة لا تبدل من المعرفة إلا موصوفة، ولما ساغ وصفها بالتي.

                                                                                                                                                                                                                                      قال الشيخ: "وما ذكره متعقب: أما دعواه أن عدنا، علم لمعنى العدن [ ص: 612 ] فيحتاج إلى توقيف وسماع من العرب، وكذا دعوى العلمية الشخصية فيه. وأما قوله: "ولولا ذلك" إلى قوله: "موصوفة" فليس مذهب البصريين; لأن مذهبهم جواز إبدال النكرة من المعرفة وإن لم تكن موصوفة، وإنما ذلك شيء قاله البغداديون، وهم محجوجون بالسماع على ما بيناه، وملازمته فاسدة. وأما قوله: "ولما ساغ وصفها ب "التي" فلا يتعين كون "التي" صفة، وقد ذكرنا أنه يجوز إعرابه بدلا".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: الظاهر أن "التي" صفة، والتمسك بهذا الظاهر كاف، وأيضا فإن الموصول في قوة المشتقات، وقد نصوا على أن البدل بالمشتق ضعيف فكذا ما في معناه.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "بالغيب" فيه وجهان: أحدهما: أن الباء حالية. وفي صاحب الحال احتمالان، أحدهما: ضمير الجنة وهو عائد الموصول، أي: وعدها، وهي غائبة عنهم لا يشاهدونها. والثاني: أن يكون من "عباده"، أي: وهم غائبون عنها لا يرونها، إنما آمنوا بمجرد الإخبار منه.

                                                                                                                                                                                                                                      والوجه الثاني: أن الباء سببية، أي: بسبب تصديق الغيب، وبسبب الإيمان به.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "إنه كان" يجوز في هذا الضمير وجهان، أحدهما: أنه ضمير الباري تعالى يعود على الرحمن، أي: إن الرحمن كان موعده مأتيا.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنه ضمير الأمر والشأن; لأنه مقام تعظيم وتفخيم، وعلى الأول يجوز أن يكون في "كان" ضمير هو اسمها يعود على الله تعالى، و "وعده" بدل من ذلك الضمير بدل اشتمال، و "مأتيا" خبرها. ويجوز أن لا يكون فيها ضمير، [ ص: 613 ] بل هي رافعة ل "وعده" و "مأتيا" الخبر أيضا، وهو نظير: "إن زيدا كان أبوه منطلقا".

                                                                                                                                                                                                                                      و "مأتيا" فيه وجهان، أحدهما: أنه مفعول على بابه، والمراد بالوعد الجنة، أطلق عليها المصدر أي موعوده نحو: درهم ضرب الأمير. وقيل: الوعد مصدر على بابه ومأتيا مفعول بمعنى فاعل ولم يرتضه الزمخشري فإنه قال: "قيل في "مأتيا" مفعول بمعنى فاعل. والوجه: أن الوعد هو الجنة، وهم يأتونها، أو هو من قولك: أتى إليه إحسانا، أي: كان وعده مفعولا منجزا".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية