الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (6) قوله: إن لم يؤمنوا : العامة على كسر "إن" على أنها شرطية، والجواب محذوف عند الجمهور لدلالة قوله: "فلعلك"، وعند غيرهم هو جواب متقدم. وقرئ: "أن لم" بالفتح على حذف الجار، أي: لأن لم يؤمنوا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقرئ: "باخع نفسك" بالإضافة، والأصل النصب. وقال الزمخشري : "وقرئ: "باخع نفسك" على الأصل، وعلى الإضافة. أي: قاتلها ومهلكها، وهو للاستقبال فيمن قرأ: "إن لم يؤمنوا"، وللمضي فيمن قرأ: "أن لم تؤمنوا" بمعنى: لأن لم تؤمنوا". قلت: يعني أن باخعا للاستقبال في قراءة كسر "إن" فإنها شرطية، وللمضي في قراءة فتحها، وذلك لا يجيء إلا [ ص: 442 ] في قراءة الإضافة إذ لا يتصور المضي مع النصب عند البصريين. وعلى هذا يلزم أن لا يقرأ بالفتح إلا من قرأ بإضافة "باخع"، ويحتاج في ذلك إلى نقل وتوقيف.

                                                                                                                                                                                                                                      و "لعلك" قيل: للإشفاق على بابها. وقيل: للاستفهام، وهو رأي الكوفيين. وقيل: للنهي أي: لا تبخع.

                                                                                                                                                                                                                                      والبخع: الإهلاك. يقال: بخع الرجل نفسه يبخعها بخعا وبخوعا، أهلكها وجدا. قال ذو الرمة:


                                                                                                                                                                                                                                      3122 - ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه لشيء نحته عن يديه المقادر

                                                                                                                                                                                                                                      يريد: نحته بالتشديد، فخفف. قال الأصمعي: كان ينشده: "الوجد" بالنصب على المفعول له، وأبو عبيدة رواه بالرفع على الفاعلية ب "الباخع".

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: البخع: أن تضعف الأرض بالزراعة. قاله الكسائي: وقيل: هو جهد الأرض، وفي حديث عائشة رضي الله عنها، عن عمر: "بخع الأرض" تعني جهدها حتى أخذ ما فيها من أموال ملوكها، وهذا استعارة، ولم يفسره الزمخشري : هنا بغير القتل والإهلاك. وقال في سورة الشعراء: [ ص: 443 ] و "البخع": أن يبلغ بالذبح البخاع بالباء، وهو عرق مستبطن الفقار، وذلك أقصى حد الذابح. انتهى. وسمعت شيخنا علاء الدين القوني يقول: "تتبعت كتب الطب والتشريح فلم أجد لها أصلا". قلت: يحتمل أنهم لما ذكروه سموه باسم آخر لكونه أشهر فيما بينهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال الراغب: "البخع: قتل النفس غما". ثم قال: "وبخع فلان بالطاعة، وبما عليه من الحق: إذا أقر به وأذعن مع كراهة شديدة، تجري مجرى بخع نفسه في شدته".

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: "على آثارهم" متعلق ب "باخع"، أي: من بعد هلاكهم.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "أسفا" يجوز أن يكون مفعولا من أجله والعامل فيه "باخع"، وأن يكون مصدرا في موضع الحال من الضمير في "باخع".

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية