الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      آ. (16) قوله تعالى: وإذ اعتزلتموهم : "إذ" منصوب بمحذوف، أي: وقال بعضهم لبعض وقت اعتزالهم. وجوز بعضهم أن تكون "إذ" للتعليل، أي: فأووا إلى الكهف لاعتزالكم إياهم، وهو قول مقول لكنه لا يصح.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: وما يعبدون يجوز في "ما" ثلاثة أوجه، أحدها: أن تكون بمعنى الذي، والعائد مقدر، أي: واعتزلتم الذي يعبدونه. و "إلا الله" يجوز فيه أن يكون استثناء متصلا، فقد روي أنهم كانوا يعبدون الله ويشركون به غيره، ومنقطعا، فقد روي أنهم كانوا يعبدون الأصنام فقط. والمستثنى منه يجوز أن يكون الموصول، وأن يكون عائده، والمعنى واحد.

                                                                                                                                                                                                                                      والثاني: أنها مصدرية، أي: واعتزلتم عبادتهم، أي: تركتموها. و "إلا الله" على حذف مضاف، أي: إلا عبادة الله. وفي الاستثناء الوجهان المتقدمان.

                                                                                                                                                                                                                                      الثالث: أنها نافية، وأنه من كلام الله تعالى، وعلى هذا فهذه الجملة [ ص: 455 ] معترضة بين أثناء القصة وإليه ذهب الزمخشري . و إلا الله استثناء مفرغ أخبر الله عن الفتنة أنهم لا يعبدون غيره. وقال أبو البقاء: "والثالث: أنها حرف نفي فيخرج في الاستثناء وجهان، أحدهما: هو منقطع، والثاني: هو متصل، والمعنى: وإذ اعتزلتموهم إلا الله وما يعبدون إلا الله". قلت: فظاهر هذا الكلام: أن الانقطاع والاتصال في الاستثناء مترتبان على القول بكون "ما" نافية، وليس الأمر كذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      قوله: "مرفقا" قرأ بكسر الميم وفتح الفاء الجمهور، ونافع وابن عامر بالعكس، وفيهما اختلاف بين أهل اللغة، فقيل: هما بمعنى واحد وهو ما يرتفق به، وليس بمصدر. وقيل: هو بالكسر في الميم لليد، وبالفتح للأمر، وقد يستعمل كل واحد منهما موضع الآخر، حكاه الأزهري عن ثعلب. وأنشد الفراء جمعا بين اللغتين في الجارحة:


                                                                                                                                                                                                                                      3131 - بت أجافي مرفقا عن مرفق

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: يستعملان معا في الأمر وفي الجارحة، حكاه الزجاج.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 456 ] وحكى مكي عن الفراء أنه قال: "لا أعرف في الأمر ولا في اليد ولا في كل شيء إلا كسر الميم".

                                                                                                                                                                                                                                      قلت: وتواتر قراءة نافع والشاميين يرد عليه. وأنكر الكسائي كسر الميم في الجارحة، وقال: لا أعرف فيه إلا الفتح وهو عكس قول تلميذه، ولكن خالفه أبو حاتم، وقال: "هو بفتح الميم: الموضع كالمسجد. وقال أبو زيد: هو بفتح الميم مصدر جاء على مفعل"، وقال بعضهم: هما لغتان فيما يرتفق به، فأما الجارحة فبكسر الميم فقط. وحكي عن الفراء أنه قال: "أهل الحجاز يقولون: "مرفقا" بفتح الميم وكسر الفاء فيما ارتفقت به، ويكسرون مرفق الإنسان، والعرب بعد يكسرون الميم منهما جميعا". وأجاز معاذ فتح الميم والفاء، وهو مصدر كالمضرب والمقتل.

                                                                                                                                                                                                                                      و من أمركم متعلق بالفعل قبله، و "من" لابتداء الغاية أو للتبعيض. وقيل: هي بمعنى بدل، قاله ابن الأنباري وأنشد:


                                                                                                                                                                                                                                      3132 - فليت لنا من ماء زمزم شربة     مبردة باتت على طهيان

                                                                                                                                                                                                                                      أي: بدلا. ويجوز أن يكون حالا من "مرفقا" فيتعلق بمحذوف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية