الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 648 ] آ. (91) قوله: أن دعوا : في محله خمسة أوجه، أحدها: أنه في محل نصب على المفعول من أجله. قاله أبو البقاء والحوفي، ولم يبينا: ما العامل فيه؟ ويجوز أن يكون العامل "تكاد" أو "تخر" أو "هدا" أي: تهد لأن دعوا، ولكن شرط النصب فيها مفقود وهو اتحاد الفاعل في المفعول له والعامل فيه، فإن عنيا أنه على إسقاط اللام - وسقوط اللام يطرد مع أن - فقريب. وقال الزمخشري : "وأن يكون منصوبا بتقدير سقوط اللام وإفضاء الفعل، أي: هدا لأن دعوا، علل الخرور بالهد، والهد بدعاء الولد للرحمن". فهذا تصريح منه بأنه على إسقاط الخافض، وليس مفعولا له صريحا.

                                                                                                                                                                                                                                      الوجه الثاني: أن يكون مجرورا بعد إسقاط الخافض، كما هو مذهب الخليل والكسائي.

                                                                                                                                                                                                                                      والثالث: أنه بدل من الضمير في "منه" كقوله:


                                                                                                                                                                                                                                      3261 - على حالة لو أن في القوم حاتما على جوده لضن بالماء حاتم

                                                                                                                                                                                                                                      بجر "حاتم" الأخير بدلا من الهاء في "جوده". قال الشيخ: "وهو بعيد لكثرة الفصل بين البدل والمبدل منه بجملتين".

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 649 ] الوجه الرابع: أن يكون مرفوعا ب "هدا". قال الزمخشري : "أي: هدها دعاء الولد للرحمن". قال الشيخ: "وفيه بعد لأن الظاهر في "هدا" أن يكون مصدرا توكيديا، والمصدر التوكيدي لا يعمل، ولو فرضناه غير توكيدي لم يعمل بقياس إلا إن كان أمرا أو مستفهما عنه نحو: "ضربا زيدا" و "أضربا زيدا" على خلاف فيه. وأما إن كان خبرا، كما قدره الزمخشري "أي: هدها دعاء الولد للرحمن" فلا ينقاس، بل ما جاء من ذلك هو نادر كقول امرئ القيس:


                                                                                                                                                                                                                                      3262 - وقوفا بها صحبي علي مطيهم     يقولون: لا تهلك أسى وتجمل

                                                                                                                                                                                                                                      أي: وقف صحبي.

                                                                                                                                                                                                                                      الخامس: أنه خبر مبتدأ محذوف تقديره: الموجب لذلك دعاؤهم، كذا قدره أبو البقاء.

                                                                                                                                                                                                                                      و "دعا" يجوز أن يكون بمعنى سمى فيتعدى لاثنين، ويجوز جر ثانيهما بالباء. قال الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3263 - دعتني أخاها أم عمرو ولم أكن     أخاها ولم أرضع لها بلبان


                                                                                                                                                                                                                                      دعتني أخاها بعد ما كان بيننا     من الفعل ما لا يفعل الأخوان

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 650 ] وقول الآخر:


                                                                                                                                                                                                                                      3264 - ألا رب من يدعى نصيحا وإن يغب     تجده بغيب منك غير نصيح

                                                                                                                                                                                                                                      وأولهما في الآية محذوف. قال الزمخشري : طلبا للعموم والإحاطة بكل ما يدعى له ولدا. ويجوز أن يكون من "دعا" بمعنى نسب الذي مطاوعه ما في قوله عليه السلام "من ادعى إلى غير مواليه"، وقول الشاعر:


                                                                                                                                                                                                                                      3265 - إنا بني نهشل لا ندعي لأب     عنه ولا هو بالأبناء يشرينا

                                                                                                                                                                                                                                      أي: لا ننتسب إليه.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية