الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  المقدمة · لم تكن المواجهة بين الجزائر وفرنسا منذ الاحتلال في عام 1830 م، صراعا أو نزاعا حول أرض يعتقد الفرنسيون أنها جزء من إمبراطوريتهم اقتطعها العرب إبان الفتوحات [ ص: 87 ] الإسلامية - فقط - وإنما كانت مواجهة شاملة، وعلى أكثر من مستوى: بين مستعمر يسخر أدواته كلها لمحاربة الإسلام، والقضاء على لغة القرآن، وتشويه التاريخ، وإخضاعه كما أخضعت الأرض، وبين مستعمر يقف بصلابة يدافع عن هـويته العربية الإسلامية، ويدافع عن الإسلام عقيدة، والعربية لغة، ويرفض الذوبان والتخلي عن تقاليده الوطنية.

                  ولم تكن المواجهة العسكرية التي سقط فيها أكثر من مليون شهيد العامل الوحيد الذي اعتمده الشعب الجزائري؛ ذلك أن طبيعة المواجهة كانت تقتضي أن يكون العامل الثقافي أكثر العوامل حسما وتأثيرا، وأن يكون الإسلام الدافع والمحرك لتلك المواجهات العسكرية. وكانت كتاتيب القرآن ومعاهد التعليم الإسلامي، في المساجد والزوايا، تمثل المحاضن الخصبة لرعاية الوعي، وتنامي الصمود الثقافي، والثغور الصلدة التي تقف عليها وتنطلق منها كتائب الجهاد وقوافل الشهداء.

                  ولا شك أن المواجهة بين الجزائر التي كانت تقف على خط الدفاع الأول بالنسبة للعالم الإسلامي أمام الاستعمار الحديث، وبين فرنسا على الجبهة الثقافية كانت من أشرس المواجهات، حتى ليمكن القول: إن الصراع في جملته صراع ديني ثقافي حضاري.

                  ورغم الحصار الذي فرضه المستعمر على معاهد التعليم الإسلامي وكتاتيب القرآن، إلا أنها لم تتوقف يوما عن أداء رسالتها، ولم تنقطع أبدا عن مواصلة عطائها الحضاري، والأمل معقود الآن في الجزائر وخارجها أن تكون " جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية " بقسنطينة - والتي بدأت الدراسة بها في المحرم 1405 هـ - امتدادا تاريخيا وعلميا ونفسيا لتلك الكتاتيب والمعاهد، وأن توفق لتقديم وتخريج قيادات علمية وفكرية قادرة على العطاء والإبداع، وحمل أمانة السلف، ومواصلة مسيرة الجهاد، والوفاء للمعاني والقيم التي قدمت من أجلها الجزائر الشقيقة المليون شهيد. لقد دفعت الجزائر الثمن غاليا للحفاظ على إسلامها وعربيتها، ولسوف يكون من المستحيل إخراجها عما آمنت به وقدمت له كل هـذه التضحيات.. [ ص: 88 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية