الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  خطاب التكليف ونصيب الفرد لا شك أن الكثير من الأحكام الشرعية منوط بوجود السلطة الإسلامية، كقضايا الحرب والسلم، وإيقاع العقوبات من حدود وتعزيرات وما إلى ذلك مما لا يخفي.

                  والسؤال المطروح هـنا:

                  هل يجوز للأفراد - حال غياب السلطة الإسلامية - ممارسة ذلك بأنفسهم، من جلد ورجم وقطع؟

                  وما مدى ما يمكن أن يترتب على ذلك من مفاسد؟

                  وإذا كان ذلك مما لا يجوز، فما نصيب الفرد من خطاب التكليف، مثلا قوله تعالى: ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما.. ) (المائدة: 38)

                  وقوله: ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما.. ) (النور: 2) ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا ... ) الآيات (المائدة: 33) .

                  هل يمكن أن نقول بأن نصيب الفرد هـو العمل على إقامة السلطة التي تنفذ الأحكام، وليس تنفيذ الأحكام؟

                  ليس للأفراد أن يقوموا بأنفسهم بإيقاع العقوبات الشرعية على من اقترف الجرائم [ ص: 175 ] الموجبة لها، فليس لهم أن يقطعوا يد السارق، أو يجلدوا الزاني أو يرجموه، أو يجلدوا شارب الخمر، ويقتصوا من القاتل، وغير ذلك.

                  فقد جعل الشرع هـذه الأشياء للأئمة، أي لأولي الأمر، أو للدولة. ولو ترك ذلك للأفراد لأصبح الأمر فوضى، وساد الاضطراب، ونصب بعض الناس من نفسه شرطيا وقاضيا ومنفذا.

                  صحيح أن المسلمين جميعا مسئولون مسئولية تضامنية عن تنفيذ أحكام الله تعالى بمقتضى خطاب التكليف العام لهم جميعا في مثل قوله تعالى: ( فاقطعوا أيديهما ) (المائدة: 38) ( فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) (النور: 2) ( فاجلدوهم ثمانين جلدة ) (النور: 4) إلخ ... فهذه الأوامر الإلهية ليست للحكام والمنفذين وحدهم، بل للأمة كلها.

                  فإذا قصر أولو الأمر في تنفيذ الأحكام الشرعية، أو خانوا الأمانة التي ائتمنوا عليها، فعلى الأمة أن تنصح لهم، وتأمرهم بالمعروف، وتنهاهم عن المنكر، لعلهم بستجيبون، وإلا لزم سلوك كل طريق مشروعة حتى يقوم أمر الله، وتعلو كلمته. على ألا ننسى هـنا القاعدة التي تقول: لا يجوز أن يزال المنكر إذا خيف منكر أكبر منه .

                  والواجب هـنا: ارتكاب أخف الضررين ، وأهون الشرين.

                  ولهذا كان صحيحا ما قيل: إن نصيب الفرد في هـذه الحالة هـو العمل مع العاملين الصادقين لإقامة السلطة التي تنفذ الأحكام، وليس هـو تنفيذ الأحكام.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية