الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الاستبداد السياسي والصحافة يلاحظ كثيرا أن المجتمعات الإسلامية لا تحظى بالحرية، خاصة حرية الرأي، وأحيانا تعاني من الاستبداد السياسي، وتظهر صحف كثيرة ذات لون واحد، وليس مطلوبا أن تكون الصحافة الإسلامية إحداها، أو تسير في ركبها؛ كيف ترون حل هـذه القضية بالنسبة لصورة الصحافة الإسلامية المطلوبة في هـذه المرحلة؟ وهل صدور (أرابيا Arabia ) وغيرها من الصحف الإسلامية في أوروبا وأمريكا يعد حلا لهذه المشكلة؟

                  الإسلام - كما لا يحتاج الأمر إلى بيان في هـذا الصدد - يقرر ويؤكد حرية القول، [ ص: 112 ] وحرية التعبير، والله تعالى يقرر في كتابه الكريم قبل خمسة عشر قرنا ( ولا يضار كاتب ولا شهيد ) -[البقرة:282] فلا بد من ضمان حرية القول وحرية التعبير، في هـذا الضوء أظن أن الأزمات التي تواجه هـذه الحرية تؤثر بالضرورة على الصحافة الإسلامية، ولذلك نرجو أن تزول هـذه المعوقات، وأن يكون المسلمون صورة لدينهم، في ضمان حرية القول، وحرية التعبير، فدينهم هـو الذي قرر: ( لا إكراه في الدين ) (البقرة: 256) ، في وقت كانت العقائد تفرض فرضا، ويقصر عليها الناس قصرا، فأتى القرآن يؤكد أن المبدأ الأساسي: ( لا إكراه في الدين ) -[البقرة:256]، ( لست عليهم بمصيطر ) -[الغاشية:22]، ( إن عليك إلا البلاغ ) -[الشورى:42]، ( وما أنت عليهم بجبار ) -[ق:50].

                  الوضع الطبيعي أن تزدهر الصحافة الإسلامية في بلاد المسلمين، وأن تزدهر حرية الفكر والعبارة حتى يصبح في كل بلد منبر حر، ومناخ حر لحرية الكلمة، وبذلك يصح نمو المسلمين الفكري ونموهم الاجتماعي لأن الضغوط لا تؤدي إلى نمو فكري سليم، وإنما يكون الفكر بين خطر التطرف، وخطر الانصياع والمتابعة " والإمعية " نتيجة القهر، وكلاهما لا يخرج صحافة مؤثرة فعالة، ولا يخرج فكرا ناضجا سويا صحيحا. يحتاج المسلمون في كل بلد، وفي كل مكان إلى أن يعيشوا هـذه الحياة السوية التي يتكلم فيها الكاتب فلا يخشى إلا الله، والتي يقرأ فيها القارئ فيربي وعيه على وجهات النظر المتباينة التي عليه مسئولية وزنها والمقارنة بينها، فيتكون الفرد ذو المعايير السليمة والمسئولة الإيجابية - أو كما " أوجز الخليفة الراشد الفاروق رضي الله عنه ، حين قيل له: اتق الله، فأراد إنسان أن ينافق فقال للقائل: ألمثل الخليفة يقال هـذا؟ فقال عمر: لا خير فيكم إن لم تقولوها، ولا خير فينا إن لم نسمعها " - فنحن نريد هـذا الخير في الكاتب والقارئ، ولا يتحقق ذلك إلا في المناخ الحر، وحتى تكون المسئولية للكاتب والمسئولة للقارئ مسئولية منبثقة عن الضمير المؤمن، وعن معايير الإسلام، لا عن القهر المتعنت، ولا عن التحكم الذي يضطر بعضهم إلى متابعة الأهواء المتحكمة، ويضطر الآخر إلى النقيض تماما: رفض كل ما يقال والسخط عليه، ومجابهته مهما كان في ذلك التطرف من خطأ آخر أو انحراف آخر. إن هـذه الأمة الوسط لا يستقيم أمرها، ولا تصح حياتها إلا بتطبيق معايير الإسلام، وإعطاء كل ذي حق حقه، وفقا لميزان العدل الإلهي [ ص: 113 ] الذي لا يحابي أحدا، ولا يتحامل ضد أحد، لأن الله غني عن العالمين.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية