الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  من مشكلات الدعوة لا شك بأن غربة الإسلام اليوم تدفع بعض أصحاب الأمر سواء في المدارس والجامعات أو في بعض المؤسسات الرسمية، لاتخاذ مواقف غير شرعية من العاملين للإسلام؛ مثلا: من المرأة ذات اللباس الإسلامي أو من الشاب ذي الاتجاه والسلوك الإسلامي، وهذا يؤدي في المقابل إلى ردود فعل عند الشاب عنيفة إلى درجة قد تخرجه عن طوره، وتجعله يساهم بدور سلبي في إبعاد الناس عن الإسلام، بعيدا عن الحكمة والهدوء والتأصيل للقضايا الإسلامية وكسب قلوب الناس، فمن خلال رؤيتكم الخاصة في تونس ، والعامة في العالم الإسلامي - وتونس لا تخرج عن كونها جزءا من العالم الإسلامي - بماذا تنصحون العاملين للإسلام على المستوى الثقافي والسلوكي؛ خاصة وأن بعضهم ذو فقه قليل؟ وكيف تنظرون إلى هـذه المشكلة؟

                  في الواقع، إن المشكلة مشكلة المجتمع الإسلامي كله، وهي مشكلة معقدة كثيرة الأوجه. إن القضية الجوهرية - في رأيي - تكمن في العقلية الغربية التي تريد أن تستأثر بخيرات الكون كله، وفي العقلية الإسرائيلية اليهودية التي تريد أن تسخر العالم الغربي لتحقيق مآربها، ولذلك نجد أن الامتصاص لكل القوى الاقتصادية ولخيرات الكون هـو الذي تنطلق منه كل التوجهات الغربية. وقد قرأنا كيف استطاع " الراهب " وهو على حماره أن يؤلب أوروبا في الحرب الصليبية الأولى، ويدعوها إلى بلاد الشرق التي تفيض لبنا وعسلا !! ونسمع بين حين وآخر مصطلح " المياه الدافئة " وإذا ما كان الروس سيدخلونها أو الأمريكان، كل شخص يريد أن يكون له موضع قدم في العالم الإسلامي يمكنه من توجيه السياسة فيه حتى يمتص خيراته.

                  ولا شك أن ما يؤمن هـذا الامتصاص هـو عدم الشعور به، فالحشرة - مثلا - إن [ ص: 136 ] كانت تتمتع بقدر من الذكاء تستطيع أن تمتص من الإنسان ما تريد دون أن تشعره بذلك، فإذا ما أشعرته قتلها، هـنا أجد أن الأمر الذي يشعر الإنسان بذاتيته وأنه أكرم من غيره هـو العامل الديني، ولذلك كان الغزو للعقيدة الإسلامية ولكل حركة إسلامية إنما هـو لتأمين مصالح الغزاة؛ حتى يفقد المسلم المناعة التي تمنعه من العمق ومن الامتصاص، فعداوتهم الدينية اليوم ليست كعداوتهم الدينية في العهد الجاهلي؛ لأن الاقتصاد غلب عليهم في نظرتهم إلى الكون والحياة كلها.

                  هذا هـو الوضع الجديد الذي لا بد أن نفهمه وأن نتعامل على أساسه، وكل حركة إسلامية تواجه مقاومة، مقاومة قوية من الخارج باعتبار أنها تعطي للأمة مناعة وهم لا يريدون المناعة، ومقاومة من الداخل باعتبار أن الذي يريد أن يدعو إلى الله إنما يريد أن يحكم منهج الله في الإنسان، والإنسان في وهمه يريد أن يكون حرا؛ فكيف يستطيع أن يتغلب على هـذه النزعة الأنانية الغالطة المخطئة، ويتغلب كذلك على القوى العظمى التي تعمد ليلا ونهارا لتأمين ثرواتها وسرفها وترفها في الحياة؟

                  والمواجهة أقوى بكثير، من الناحية المادية، الجانب الذي عندنا هـو جانب الحق؛ وهو الذي لا يمكن أن يدخل بالعنف، فذلك ليس من طبيعته، والحركات الإسلامية كلما حاولت العنف، ألبت عليها وأعدت نفسها للضربات، أعطيك مثلا وقع في تونس ؛ فقد وقع هـجوم من طرف بعض الاخوة على فندق لأن صاحبه تناول القضية الفلسطينية - أو شيء من هـذا - فكان رد الفعل من السلطة قويا لأنها ترى أن في ذلك إزعاجا للسائحين، والسياحة مصدر أساسي من مصادر الثروة، وإذا فقد وقعت الدولة كلها في مشاكل لا حد لها. فكان لهذا وجهة نظره ولذلك وجهة نظره، وفي آخر الأمر وقع ضرب قوي على الحركة من جملته منع اللباس الخاص المعروف بالزي الإسلامي، ووقتها كنت " متفقد عام " التعليم التونسي، فقلت في اجتماع للجنة العليا: هـل نحن ضد الستر أو نحن ضد اللباس السياسي؟ فإذا كنا ضد الستر فما أظن بأنا نكون ناسا صالحين، لا للأمة ولا للأخلاق، وإذا كنا ضد اللباس السياسي فأنا معكم، لكم أن تمنعوا اللباس بشكل خاص باعتبار أنه مظهر تجمع تريد الدولة - كلون من سياستها - أن تمنعه، لكن أن تمنع المرأة من أن تكون محتشمة فهذا مرفوض، فقالوا نحن مع الستر، فطلبنا منهم إصدار منشور بذلك، وأصدر منشور يأذن بألا [ ص: 137 ] يعترض لأي امرأة تأتي متسترة، فطريقة إقناع الناس وتوسيع القاعدة يجب أن يؤخذ بكثير من الحكمة.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية