الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  حوار الأديان كثرت في الآونة الأخيرة الدعوات إلى مؤتمرات للحوار الإسلامي المسيحي - في أوروبا - تحت دعوى أن دين الله واحد، أو تشكيل جبهة دينية واحدة في مواجهة الماركسية والإلحاد، وتارة تحت اسم حوار الحضارات أو حوار الأديان عامة. فما هـو تصوركم حول هـذه الدعوى ومروجيها؟ وما مدى الجدوى من وراء مثل هـذا الحوار في المرحلة الحالية؟ [ ص: 121 ] لكي يثمر هـذا الحوار، لا بد أن يكون حوارا جادا، وحوارا حقيقيا لا شكليا، وتتوافر له أسباب الحوار الإيجابي، وهذا يقتضي ضيق النطاق واختيار المتحاورين بحيث يكونون متعمقين في عقائدهم، وفي العلم بعقائد غيرهم، وفي الإخلاص والجد في تصحيح ما يكون لديهم من أوهام أو أخطاء شأن غيرهم إذا وجدوا الدليل المقنع في هـذا الصدد، أما أن يكون الأمر مظاهرة فكرية أو عقيدية تجتمع في مؤتمر عام مفتوح، فالحقيقة أنني أحب ألا تكون المسألة شكلية، والاجتماعات واسعة ضخمة، كل متحاور في ذهنه أن هـناك من يسمع ويفهم هـذا الحوار بطريقة معينة، وأنه يحاور وفي ذهنه أن كلامه سيصل إلى الجهة التي يمثلها، أولا وقبل كل شيء ؛ إذا كانت هـذه القيود موجودة فلن تكون هـناك أي ثمرة، وستكون الاجتماعات تكرارا لأقوال سبق قولها، ويشترط أن تكون مقبولة من الجهات التي يمثلها قائلها، وحينئذ لن نتقدم خطوة إلى الأمام.

                  أود الحوار المحدود في مجتمعات محدودة، يختار لها قوم من الصادقين المخلصين واسعي العلم وواسعي الأفق، وألا تكون عرضا شكليا دعائيا، تقصد بها جهات أن تفهم جهات أخرى أنها واسعة الأفق، أو أنها قد غيرت وجهتها في حين أن الأمر لا يعدو أن يكون مظاهرة شكلية.

                  وأنا أنصح الجهات التي تتبنى هـذا الحوار، الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، ومجلس الكنائس العالمي، والمسلمين الذي يرحبون بهذا الحوار أو يشاركون فيه؛ أدعو الجهات جميعها أن توفر الشروط والضمانات الأساسية لإنجاح الحوار إن كانوا صادقين، فلن ينجح إذا كان مجرد مظاهرة بكلمات يقصد بها المجاملة الجوفاء التي لا تعني أي تحول عن الموقف الأساسي أو كانت إرضاء شكليا لطرف من الأطراف. الحوار الحقيقي لا بد أن يكون حوارا جادا، حوارا مخلصا، حوارا بناء، يخرج بعيدا عن هـذه الشكليات، ويشترك فيه أفراد محدودون يقدمون فيه وجهات نظر صادقة، ويتحاورون محاورات بناءة، إذا كان ذلك، فسيكون مفيدا، وإذا كان غير ذلك؛ أي مجرد دعاية في جهة من الجهات، تريد أن تلقي في روع الآخرين أنها قد غيرت موقفها، وأنها قد صارت أكثر مرونة، وأنها مستعدة للحوار، في حين تدل شواهد أخرى أنها لم تغير في حقيقة الأمر شيئا من مواقفها، فإن الحوار نفسه في معطياته القائمة يدل على أنه لن يحقق ثمرة ما.

                  " ربيع الأول 1406هـ - تشرين الثاني (نوفمبر) 1985م، ربيع الآخر 1406هـ - كانون الأول (ديسمبر) 1985م " . [ ص: 122 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية