الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  البعد التاريخي وفي بداية الحوار، لا بد أن يعود حديث الشيخ السلامي إلى العهود الأولى للزيتونة.

                  معلوم أن جامع الزيتونة أسس سنة 114هـ. وأنه من أول يوم أسس فيه كان مكانا لعبادة الله ولنشر المعرفة. وأقدم ما نعرفه عنه هـو أن الفضل يعود لجامع الزيتونة في بقاء مذهب الإمام مالك رحمه الله، ونشره في الآفاق، ذلك أن " علي بن زياد " [ ص: 125 ]

                  صاحب " مالك بن أنس " رحمهما الله تعالى لما رجع إلى تونس نصح أحد طلبته وهو الإمام " سحنون بن سعيد " بأن يذهب إلى الإمام مالك ويأخذ عنه كما أخذ هو - أي " علي بن زياد " - عنه ولما رحل " سحنون " ، محملا برسالة شيخه، وبالواجب الذي يريد أن يضطلع به وجد " مالكا " قد انتقل إلى رحمة الله، وذلك يوم قدومه إلى المدينة المنورة، فدون كل مذهب " الإمام مالك " عن صاحبه " ابن القاسم " .

                  و " المدونة " هي أقدم كتاب في مذهب " الإمام مالك " يعود إليه المالكية، وما جاء بعد ذلك إن هو إلا شروح أو إضافات أو تخريجات على قوله؛ على اختلاف مراتب الفقهاء بين مجتهد في المذهب وبين مخرج وبين مرجح.

                  من هنا نلمس أن ربع الفقه الإسلامي تقريبا، أي مذهب " الإمام مالك " ، إنما يرجع الفضل فيه إلى هذا الرجل الصالح " الإمام سحنون " الذي خرج من القيروان إلى المشرق.

                  وفي ذلك الوقت، كانت تونس - كما كانت القيروان - مركزا للإشعاع الثقافي. وذكر بعض من أرخوا لتلك الفترة أن القيروان وتونس متعادلتان في الإشعاع الثقافي، ومعلوم أن القيروان كانت القاعدة التي انطلقت منها العلوم الإسلامية ناشرة لدين الله؛ فـ " عمر بن عبد العزيز " رحمه الله لما بعث الفقهاء العشرة، بعثهم إلى أفريقيا، ولكن كانت القيروان قاعدة إنطلاقهم، ولم تكن القيروان مركز إشعاع في علوم إسلامية معينة؛ وإنما في كل العلوم؛ بما في ذلك ما يعرف بالعلوم التجريبية.

                  ولما انتقل مركز الحكم في القرن السابع الهجري من القيروان إلى تونس وأصبحت عاصمة الحكم في " القصبة " بجانب جامع الزيتونة، بدأ الجامع يأخذ بعدا أكثر اتساعا، ويضطلع بدور واضح سواء في مناهج الثقافة، أو في نشر العلم والثقافة الإسلامية، وإحياء ما اندرس منها في كل بلاد المغرب، وهذا ما ذكره " عبد الرحمن بن خلدون " لما تحدث عن الفقه مشيرا إلى أن سلسلة الفقه انقطعت في كامل بلاد المغرب، وأن الفضل يعود إلى دولة " محمد بن عبد السلام " التي خرج رجالها إلى بلاد المغرب وأحيوا ما اندرس من العلم.

                  ثم يتابع جامع الزيتونة دوره الأصيل عبر العصور إلى يومنا هذا؛ فتخرج عليه [ ص: 126 ] وتخرج فيه علماء لم يختصوا بناحية من الفقه أو النحو، وإنما كان لهم وجود في ميادين متعددة. وعلى كل فـ " عبد الرحمن بن خلدون " وإن كتب مقدمته في قلعة " بني سلامة " فهو قد تخرج في جامع الزيتونة.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية