الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  النبوغ في خدمة العقيدة يعني الحصانة النفسية لمواجهة الاستبداد، ذلك أننا نعتقد أن الاستبداد السياسي يعطل عملية النبوغ - بشكل عام - ومع ذلك فأرى أن صورا للاستبداد السياسي لم تعطل النبوغ عند علماء تمتعوا بالحصانة النفسية، فهم في ذلك قدوة للجيل المسلم - مثل ابن تيمية - على الرغم من الظروف التي كانت محيطة في عصره.

                  هـذه فلتات، ذلك أنهم تمتعوا بالحصانة النفسية.

                  وهذه الفلتات أرى أنه يجب أن تكون معالم للجيل المسلم حتى [ ص: 81 ] لا يستسلم ويقف عن أداء رسالته. إن تقديم نماذج من هـؤلاء العلماء للجيل، يصحح ويعالج وضعه النفسي، ولنا أيضا في العصر الحاضر نماذج من المسلمين الذين لم يحد الاستبداد السياسي من ظهور نبوغهم على الساحة الإسلامية، إلا أن الرؤية لا تزال عاجزة عن جعل النبوغ في خدمة العقيدة، بمعنى أن المسلم لو كان نابه الذهن لأدرك أنه يستطيع أن يخدم دعوته الإسلامية من طريق المواقع التي يعتليها كطبيب أو مهندس متفوق أكثر من وجوده في مواقع أخرى، فقضية الدعوة ليست بهذه الوسائل المحدودة التقليدية المتنقلة من جيل إلى جيل، وإنما الحياة بكل شعبها، فأنا أعتقد أن راعي الغنم في طريق الهجرة؛ وبرغم وظيفته البسيطة في سلم الحياة الاجتماعية قد جعلها في خدمة عقيدته، حيث جعل الأغنام تمر على آثار أقدام أسماء بنت أبي بكر إذا خرجت إلى الغار أو عادت منه، فعطل بذلك الرؤية واقتصاص الأثر عند أعداء الإسلام الذين يطاردون المهاجرين؛ حتى إننا نستطيع أن نقول بحسب الأسباب البشرية إنه شكل منعطفا في التاريخ الإنساني.

                  أود أن أعقب على هـذا، بأن مرحلة جديدة تعتمدها الحركات التنصيرية في العالم الإسلامي المعاصر أبعد من اعتمادهم الكوادر الفنية من أطباء ومدرسين وغيرهم كوسيلة من وسائل العمل؛ حيث إنهم يقومون الآن بحركة يسمونها " حركة صانعي الخيام " نسبة إلى أحد القديسين عندهم، أظنه " سان جون " الذي كان يتعيش من صناعة الخيام؛ فيعتبرون كل كادر فني موجود في بلد هـو أحد هـؤلاء الذين يتعيشون من مهنتهم ويعملون لخدمة الحركة التنصيرية.

                  هـذه حقيقة إسلامية، فما من نبي من الأنبياء إلا وله حرفة، وما من عالم من علمائنا القدامي إلا وقد اشتهر بحرفته، الخياط والوراق والبزاز وحتى الإسكافي. إن قضية {لا أسألكم عليه أجرا} قضية خطيرة، غائبة عن ذهن المسلمين، ولكنها تؤثر بصورة سلبية على التصور الشمولي لواجبات الفرد المسلم في مجتمعه وتجاه دعوته، حتى إن بعض الشباب المسلم يفهم أن قضية التعلم تقابل قضية الدعوة ولا تنسجم معها، [ ص: 82 ] أي أن قضية الدعوة تقابل قضية التعلم والاستمرار بالجامعات والحصول على الدرجات العلمية، وقد يدع بعضهم الكليات العلمية تحت عنوان القيام بالدعوة الإسلامية، ويرفض الاستمرار في دراسة الطب أو الهندسة، وقد يكون ذلك في سنوات الدراسة الأخيرة، ويدع هـذه المنابر الخطيرة ذات الأثر الكبير في المجتمع ويعزف عن القضية العلمية ظنا منه أنها ليست من الدين، علما بأنه إذا لم يستطع المسلمون اعتلاء المنابر المتقدمة، وتطوير وسائلهم بمنطق العصر، تستمر الإصابة بالتخلف، ويعزلون أنفسهم عن المجتمع.

                  هـذه نقطة من أهم النقاط التي أثيرت في حوارنا هـذا، فما من شك في أن فهم المسلم لطبيعة مهمته في الحياة - عبادة الله وذلك بالقيام والاستخلاف في الأرض - مهم وأساس، لأن كلا الجانبين في مهمته مكمل للآخر. إن فهم رسالة الإنسان في هـذا النطاق يحقق مطلوب الإسلام في التعبد لله سبحانه وتعالى، والسعي وراء الرزق في نطاق الإيمان بالله، والسعي في كسب العلم في إطار من الإيمان كالعبادة، ولا بد أن يفهم المسلمون ذلك جيدا. إن الدراسات الإسلامية قضية تخصصية، ويوفق لها من أعطاه الله تعالى الملكات لهذا التخصص، وليس كل إنسان لديه المواهب نفسها، بل من رحمة الله تعالى أن تتوفر الإنسانية على فوارق فردية وملكات مختلفة.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية