الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  توحيد الفتوى منصب المفتي في الأصل منصب هـام وخطير بالنسبة للتحصين الثقافي الإسلامي، ولاتخاذ مواقف في القضايا والمشكلات الكبرى على مستوى [ ص: 132 ] العالم الإسلامي. ولكن يلمح الإنسان بشكل عام بالعالم الإسلامي - وليس في بلد معين - محاولات تهميش دور المفتي شيئا فشيئا، وإبعاد هـذا المنصب عن مراكز الفاعلية، واختيار أشخاص بأعيانهم ليكونوا موظفين لا يخرجون عن رأي السلطة الرسمية؛ والمشكلة أن العالم الإسلامي قد توجد فيه وجهات نظر مختلفة من الناحية الرسمية وما إلى ذلك، بينما المسلمون أمة واحدة بصرف النظر عن وجهات مؤسساتهم الرسمية وظروفها ومواقفها السياسة، ألا ترون أن نوعا من التنسيق، وتبادل الخبرات، وتوحيد الفتوى، والموقف الناصح في القضايا الكبرى أمر مطلوب؟ إذ أن هـناك قضايا أساسية معاصرة تتطلب رأيا إسلاميا واحدا، فقد يكون الاجتماع على هـذا الرأي مساهمة بتوحيد الأمة أو بدعم وحدتها؛ حتى لا تكون هـناك صور من التناقضات أو من عدم التنسيق بين المفتين في العالم الإسلامي، والاجتماع قوة لهم جميعا والجماهير المسلمة تقف جميعها وراء الفتوى التي تخرج متفقا عليها في القضايا الكبرى والمسلم قوي بإخوانه ضعيف بنفسه.

                  فكأن المطلوب اليوم لون من تبادل الخبرات، وتوحيد وجهات النظر، ومواجهة هـجمة الغزو الفكري والثقافي على العالم الإسلامي بموقف في الفتوى موحد، فما هـي وجهة نظركم؟

                  الإشكالية التي أشرتم إليها هـي إشكالية حقيقية. والتواصل أو التنسيق بين المفتين في البلاد الإسلامية يتوقف على وجود مثل هـذه الخطة في البلاد الإسلامية، للمفتي قضايا جزئية، وقضايا كبرى تعرض عليه، وهو ينير السبيل ويعطي حكم الشرع، وقد تكون أمام المؤمن مشكلة من المشكلات الكبيرة فيجد عند المفتي الطريق الذي يرضى عنه الله.

                  لقد تكفل " مجمع الفقه الإسلامي " الذي يمثل البلاد الإسلامية كلها - ويتبع لرابطة العالم الإسلامي؛ ومقره السعودية - ببحث القضايا العامة التي تهم العالم الإسلامي كله، والمشكل ليس في الاجتماع - فالاجتماع سهل - ولكن في رصيد [ ص: 133 ] ما عند المفتين في التأثير على السياسة العامة وعلى اتخاذ المواقف، نستطيع أن نتصل، وأن نقرر ما نشاء، وأن نقول شيئا؛ ولكن قد يرى صاحب السلطة شيئا آخر.

                  نحن لا نزال نقول بأن للعالم المسلم العامل وكلمته وموقفه أثرا كبيرا في الأمة - دعك من بعض علماء المؤسسات الرسمية - فمواقف علمائنا وأئمتنا أقوى في نفوس الناس، وأرسخ في قلوبهم، وأكثر تأثيرا في سلوكهم من مواقف المؤسسات الرسمية، ولا أعني بما طرحت أن المفتين حين يتخذون رأيا حول قضية ما يمتلكون السلطة التنفيذية للتغيير، لكن أقول بأن الفرد المسلم حينما يعلم بأن وجهة النظر الشرعية في قضية من قضايا الأمة هـي كذا، ومتفق عليها عند مجموعة من العلماء العاملين سوف يبذل وسعه فيما يستطيع من مواقف، وإذا فعل مكرها فهو مكره، ويبقى بانتظار العودة إلى ما يعتقد بأنه حكم الله سبحانه وتعالى .

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية