الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  مؤسسات شعبية للرقابة العامة هـل من ضمانات الاستمرار التفكير بإقامة مؤسسات شعبية للرقابة العامة - أو ما يمكن أن يسمى بالمصطلح الإسلامي: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ليس من خلال الصورة المترسبة في أذهان الناس لبعض صور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تأخذ جانبا من الحياة وتهمل أو تنصرف عن الجوانب الأخرى - وذلك حتى تشكل هـذه المؤسسات بعض الضمانات على المستوى الشعبي، وتكون معينة وليست بديلة ولا مقابلة للمؤسسات الرسمية، حتى نتفادى مخاطر الازدواجية، وما يمكن أن يكون من صراعات خفية أو معلنة؟

                  لما لم يكن المشروع الإسلامي تنزيلا من تلقاء الدولة وحدها، وإنما كان دعوة لرواد من الدعاة اتسعت واتخذت بعدا جماهيريا، فأصبحت توجها شعبيا تجاوبت معه الحكومة، فقد كانت التشريعات الإسلامية تكاد تتوزع لتستجيب لحاجات هـؤلاء وأولئك. فإذا كانت بعض التشريعات مما يلي الحكومة ومحاكمها، فقد كان من أول القوانين التي صدرت قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وهو لا يضبط - بالطبع - الشعب لأن يكون أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر مرهونا بإشارة من الحكومة، ولكن ليتيح للشعب أطرا من التنظيم، [ ص: 34 ] حتى يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منظما وفعالا في المجتمع.

                  ويؤسس هـذا القانون على إيلاء المبادرة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للشعب في تنظيماته المختلفة، وللشعب أفرادا. ولعل ضالة البناء السياسي والحكومي الإسلامي في تاريخ السودان قد اضطر السودانيين قديما لأن يقوموا - شعبا - بكثير من مهمات العمل الإسلامي، وأداء كثير من الوظائف التي يكلها مسلمون في أماكن أخرى لحكومة يثقون بها وتؤدي دورها بفعالية.

                  إن غياب الدولة الإسلامية لعهود طويلة في السودان اضطر أهل السودان لأن يقوموا بخاصة أمرهم. ولذلك فإن قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يبنى على تقاليد واسعة في التنظيم الاجتماعي وفي الإيجابية الإجتماعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وليس من شك في أن المجتمع الإسلامي الأمثل - ولا أقول المثالي - هـو المجتمع الذي يقوم فيه الناس بأغلب شئونهم، ويتضاءل فيه دور السلطان لأضيق الحدود، لأن السلطان يستعمل أدوات القهر والأحكام الظاهرية، أما الدين - بجوهره - فهو مواقف للوجدان، وطاعة الله سبحانه وتعالى يجزي عليها الإنسان يوم القيامة، وكلما تدين المجتمع وأفراده، من تلقاء أنفسهم دون أن يرهبهم سلطان، ولكن رهبة لله سبحانه وتعالى ورغبة فيما عنده، يقومون بأغلب وظائف الدين.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية