الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  التخلص من الازدواجية يلحظ الإنسان لونا من الازدواجية - دون التعرض لأسبابها الكثيرة - التي قد يكون في مقدمتها: نظام التعليم.

                  فنرى أن هـناك علماء متخصصين في المصارف والمالية والإدارة مثلا، يفتقدون الرؤية الإسلامية الشمولية، ونرى بعض المشتغلين بقضايا الفقه والشريعة لا يمتلكون القدر الكافي من العلوم الأخرى، الذي يمكنهم من الحكم على الأشياء؛ بل قد يتجاوز الأمر ذلك، فيفتي في الدين من لا علم له بالشريعة، ويقول في العلوم من لا اختصاص له، كالكلام في علوم الأحياء والأجنة، والفلك وما يتفرع عن ذلك:

                  كيف يمكن أن ننظر إلى هـذه الأمور؟ وما هـو السبيل للتخلص من هـذه الازدواجية التي نلمحها اليوم في أكثر من مجال؟

                  سيظل الناس مختلفين باختلاف تخصصاتهم واهتماماتهم، وخصوصا في عصرنا الذي عرف بأنه عصر التخصص الدقيق جدا.

                  ولا ريب أن الانحصار في التخصص كثيرا ما يؤدي إلى التقوقع، وإغلاق الأبواب على النفس، وجهل ما عند الآخرين جهلا كليا. وهذا ما تحاول بعض الجامعات الحديثة تفاديه؛ بطرح بعض المقررات المشتركة لجميع طلابها من كل التخصصات نظرية وعملية، حتى توجد بينهم قاسما مشتركا من الثقافة والنظرة الموحدة للقضايا الكبرى.

                  والخطر على كل حال ليس في التخصص، إنما في الازدواج الذي يفرز أناسا لا يعرفون من الدين شيئا، وآخرين لا يعرفون عن ثقافة العصر شيئا.

                  وأعتقد أن هـذا اللون من الازدواج الصارخ قد بدأ يختفي إلى حد كبير. [ ص: 184 ] والذي يهمنا تأكيده هـنا هـو وقوف كل فرد أو فريق عند حدود علمه، ولا يخوض فيما لا يحسنه، ويرجع في كل علم إلى أهله وخبرائه، كما قال تعالى: ( ولا ينبئك مثل خبير ) (فاطر: 14) ، ( فاسأل به خبيرا ) (الفرقان: 59)

                  كما يجب أن يتعاون أهل العلم - على اختلاف تخصصاتهم - فيما يخدم دينهم، ويصلح دنياهم.

                  وقد شاركت في تجربة رائدة نافعة تقوم بها المنظمة الإسلامية العالمية للعلوم الطبية في الكويت برئاسة الأخ الفاضل الدكتور عبد الرحمن العوضي ، وهي تجمع عددا من الفقهاء المعتبرين، مع عدد من الأطباء المرموقين، للبحث في بعض القضايا المهمة، مثل الإجهاض، وبنوك الحليب، وبداية الحياة ونهايتها.. الخ. ويتولى الأطباء شرح هـذه الموضوعات بكل ما يحيط بها من ظروف، ويبدأ الفقهاء في محاولة استنباط الحكم بعد المناقشة المستفيضة التي تنتهي بقرار مجمع عليه أو مختلف فيه، أو يؤجل البت إلى دورة أخرى.

                  وقريب من هـذا ما يحدث في المصارف الإسلامية، فنحن في هـيئة الرقابة الشرعية، لا نفتي في المعاملات التي تعرض علينا؛ إلا بعد شرح وتوضيح وتفصيل من إدارة المصرف والمسئولين فيه، وبعد أخذ ورد، وبحث قد يطول، ننتهي إلى الرأي الذي نراه أرجح وأقرب إلى الصواب.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية