الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معادلات جديدة لا شك، أن وظائف الدولة تبدلت وعلاقاتها تعقدت.

                  وانتصبت مشكلات للمعادلة بين الحاكم والمحكوم، بين استقرار الحكم وقوته، لا سيما أنه حكم تناط به مهمات انتقال وتحول إسلامي، لا تحول فقط إلى التزام معايير شكلية، ولكن تحرك بالمجتمع كله نحو قوة اقتصادية وسياسية جديدة، وأنه يجابه انقضاضا من العالم كله على التجربة الإسلامية فلذلك لا بد من أن تتقوى الحكومة. [ ص: 37 ] كيف نعادل بين هـذه المعادلة وبين معادلة الحرية والشورى داخل المسلم؟ كيف نعادل بين حق المسلم في أن يرى رأيه وألا تحده دون رأيه عصبية، وبين ضرورة تنظيم الرأي العام في توجهات حتى يسهل الحوار بين توجهات متعددة ولا يختلط الرأي هـكذا؟ هـل يمكن أن نتيح مجال التنظيم حتى ينتهي إلى أحزاب وإلى عصبية جديدة تمزق وحدة الأمة، أم نخشى من ذلك ولا يتأتى لنا - إن بسطنا الحرية - إلا ارتباك وفوضى واسعة؟

                  إنها قضية معقدة! ويزيدها تعقيدا أنها تطرح في ظروف انتقال، والشعب المسلم غير مهيأ، ولا تزال فيه عصبيات، ولو أطلقت له الحرية فإنه لا ينطلق بالإسلام وإنما ينطلق بكثير مما ورثه من قبل، وبذلك تتعقد علينا هـذه المشكلة بأنها تطرح في مرحلة انتقال. وصور الحكم - حتى التي نحاول أن نتمثلها - تفترض حاكما ومحكوما وإماما ومأموما على ذاك القدر من الوعي بالدين والانفعال به والعلم به كذلك. وحتى الكتاب يصورونها هـكذا ويتوهمون أن كل المجتمع يقوم بحد أدنى من الإيمان ومن العلم ومن المجاهدة بالإسلام؛ ولذلك يرتبون الصور على هـذا الاستصحاب، ولكن الاستصحاب يتخلف في مراحل الانتقال. وينسون - كما قدرت - مدخلات العوامل الخارجية؛ لأن ثمة قوى تحيط بالعالم الإسلامي وتتخلله، وتكاد تؤثر على اقتصاده وعلى ثقافته، وتقهره بالدعاية.

                  ولذلك إذا أطلقت الحرية استغلت لتدخل منها مدخلات غريبة على الدين، وإذا توجهت الحرية نحو الإسلام وئدت وأجهضت، وفرض على المسلمين نظام قهري حتى لا يتمهد لهم طريق الإسلام؛ بالرغم من أن الغرب يتشدق بالديموقراطية؛ فلذلك يتعامل المرء مع شعب غير كامل الوعي والتدين، ويتعامل مع قوة تكاد تكون في فعلها في المسرح الداخلي أقوى من قوة الشعب مجتمعة، وقوة أقوى من أحزابنا وطوائفنا وتجمعاتنا التاريخية في أثرها على الحكومة الواحدة. [ ص: 38 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية