الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الحاجة لإعادة كتابة التاريخ والفقه يخشى أن يؤدي الكلام والمبالغة في المثالية إلى الوقوع في الوجه الآخر للقضية وهو التأكيد على استحالة التطبيق، والمساهمة السلبية بإبعاد الناس عن الإسلام.

                  صحيح، لأنه يباعد بين تلك الصور؛ ولكن هـذا كان اجتهادا تربويا من بعض المؤرخين: أن يرسموا صورة زاهية جدا للتاريخ، وأن يذكروا محاسن الموتى، وذلك ليحملوا الناس على الصعود.

                  ولكن من يلاحظ صور القصص القرآني يجد أنه يقص قصة الحياة كلها؛ لأن التدين هـو الانتقال من الخطيئة إلى المتاب، ومن القصور إلى التكامل.

                  وليس التدين هـو بلوغ هـذه الحالة المثالية والبقاء عليها، فهذا مما لا يتيسر بشريا، ولكن التدين هـو هـذه الحركة وهذا الانتقال، والانتقال مرحلة لا تنتهي، فمهما بلغ المرء من الطاعة يراوده الشيطان، لأن الشيطان مخلد، وتراوده الذنوب وتنتابه، فكأنه ينحط ثم يقوم، يسقط ثم ينهض، وهكذا دائما، وهذه المعاناة هـي لب التدين، ويجدينا في واقع الأمر، أن نعيد كتابة تاريخنا وكتابة فقهنا من جديد حتى يكون فقها يهيئ أصحابه، وتاريخا يكيف قارئه لأن يحققه في الواقع.

                  كثرة الكلام عن المثاليات، من خلال واقع الضعف البشري، [ ص: 29 ] كأنه ميئس، وقد يعطي نتيجة تربوية عكسية لما أراد له أصحابه، ويكون مساهمة سلبية، ومنافذ يخترق منها الأعداء الصف الإسلامي بدعوى أن الإسلام مثالي لا يمكن أن يحالفه التطبيق.

                  تماما.. إن هـذا القرآن هـو كيمياء انصبت على واحد من أحط صور الواقع البشري. وكانت معجزة التدين أنه انتقل بواقع منحط جدا، وقدر الله أن يبعث هـذه الرسالة لا في البلاد التي تهيأت بالحضارة، ولا في البلاد التي تهيأت بالثقافة الكتابية لها، ولكن في واقع بعيد جدا، وبالرغم من ذلك استطاعت هـذه الكيمياء أن تحول هـذا الواقع إلى مثال أصبح قدوة في تاريخنا.

                  /

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية