الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  السنن الجارية والسنن الخارقة من المشكلات التي يعاني منها السودان وكثير من البلدان الإسلامية الأخرى هـذه التركة الثقيلة التي هـي ثمرة لتاريخ طويل من الانسلاخ عن الإسلام، ولأنماط متعددة من التجارب والتطبيقات والقوانين التي قد لا يكون للإسلام فيها النصيب الكبير. ولا شك في أن التحول إلى النهج الإسلامي وإلى تطبيق الشريعة سوف يواجه كل هـذه المشكلات، ولا بد للتغلب عليها ومعالجتها من زمن وجهود متطاولة. ومن هـنا يخشى أن يصاب بعض بسطاء المسلمين، أو بعض من يعيشون الجانب النظري ولا يعانون التجربة التطبيقية، ببعض الإحباطات نتيجة الظن أن عصا الإسلام يمكن أن تكون سحرية، تعالج الواقع القائم بالسنة الخارقة وليس السنة الجارية؛ [ ص: 25 ] لأن معاناتهم التاريخية كانت لقضايا نظرية جدلية مثالية، بينما القضية تحكمها سنن المدافعة والابتلاء والتطبيق المرحلي. وقد نرى أن الجيل الأول القدوة لم يعان المشكلة نفسها، لأنه كان يعيش التدرج في التشريع والتطبيق معا، أما بالنسبة لنا فقد اكتمل التشريع. وقد لا نستطيع بعد هـذا الانسلاخ الطويل عن شمولية الإسلام إلا ممارسة التدرج في التطبيق مع رؤية للمواقع جميعا. وفي الوقت نفسه قد لا نستطيع أن نغطي في جيل ما أو في زمن ما إلا موقعا أو أكثر، لكننا في الوقت نفسه لا بد أن نرى الصورة الكاملة التي يجب أن يرتادها العاملون للإسلام.

                  إذا نظرنا إلى واقع السودان خاصة، وهو بقدر ما يمثل جانبا من واقع المجتمع المسلم عامة، فإنه ركام من تراث سابق للإسلام، لأن دخول الإسلام للسودان لم يكن فتحا حاسما يطهر الأرض من الباطل كله أو جله، ويقيم مقامه مؤسسات الحق، وإنما دخل الإسلام السودان ولا تزال عملية استكمال الدين وعيا وممارسة وشعائر وأعرافا اجتماعية، تتقدم إلى يومنا هـذا.

                  وأمر ثان: هـو نصيبنا من تاريخ الإسلام بخيره وشره، وفي تاريخنا كما هـو معلوم عناصر ضربت على الإسلام، وانحرافات، وبعضها التبس بحق الإسلام، وأصبح لا يتيسر إلا للفقيه المتبصر أن يميزه بين مدخلات تاريخية غريبة عن الإسلام وبين أصول الإسلام الشرعية.

                  يضاف إلى ذلك أن الصور التي تيسرت للمسلمين تاريخيا من التطبيق في نظام الجماعة ونظام القيادة والمجتمع - وهي صور بالطبع كانت محدودة بقدر طاقاتهم المحدودة عندئذ - جمدت في أذهان الناس، وحسبوها الصورة النهائية الأزلية لتطبيق الإسلام، بينما يتاح أن يتسع الناس لبلوغ مثل الإسلام.

                  ثم خضع السودان للاستعمار، ولا شك أن المستعمرين المتمكنين قد استطاعوا أن يفرضوا عليهم شيئا من تراثهم وحضارتهم، وأن يحاصروا الدين، ويشوهوه بما يوافق أهواءهم. [ ص: 26 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية