الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  المقدمة بعد رحلة فكر وبحث وحوار: شاقة وطويلة، أسقط كل المعتقدات والفلسفات والأفكار، انتهى المفكر العالمي (الشيوعي الكاثوليكي سابقا ) روجيه جارودي إلى الحقيقة الأزلية:

                  (لا إله إلا الله، محمد رسول الله )

                  ورجاء جارودي (اسمه الجديد ) إنسان متفوق ومتميز بالمنطق وبالحس معا، أكثر ما كان يشغله هـو البحث عن النقطة التي يلتقي عندها الوجدان والعقل. وهو يمثل اختيارا، ويشكل تيارا فكريا قويا في الأوساط الثقافية العالمية عامة، وفي المحيط الغربي الذي نشأ فيه بشكل خاص.

                  ويرى أن الحوار القائم محكوم عليه بالفشل؛ لأنه يسلك طريقا مسدودا إذا ظلت عقيدة أحد أطرافه - الأوروبيين - غير مصقولة من صدأ قرون السيطرة والاضطهاد. ويرى في ثقافة الغرب أنها فقدت المعنى والغاية، فقامت خديعة العلم للعلم، والفن للفن، فانتهت إلى العدمية في الأهداف؛ تقنية غايتها التقنية لذاتها، وعلم يهدف إلى العلم ذاته، وحياة لا تهدف إلى شيء.

                  ويرى أن التنمية على النمط الغربي تبتر من الإنسان أبعاده الإنسانية، وتفصله عن السمو الروحي، وتقتل فكرة الجماعة، وتضع سدا بين العلم والتقنية من ناحية، والحكمة من ناحية أخرى، وهذا النمط الغربي يتمثل في الرأسمالية التي تولد منها الاستعمار والحروب والأزمات الداخلية المميتة، وفي الاشتراكية التي تضطهد شعبها وتستغل العالم الثالث.. وتتسابق إلى التسلح الرهيب والسيطرة.

                  إن فكر جارودي كان يقربه دائما من الحقيقة، لكن أكثر ما تأثر به هـي التجارب التي التقي فيها مع الإسلام مرات متعددة، بدأت في مرحلة مبكرة من حياته. يقول عن إحداها، وكانت بسبب موقف أخلاقي إسلامي: [ ص: 56 ] [ ... وهذه التجربة المبكرة - بالنسبة لي- قد علمتني أكثر من دراسة نظرية لعشر سنوات في السوربون ]..

                  ويعقب على تجربة قريبة فيقول: [... وهكذا ترون كيف كنت قريبا جدا من الإسلام].

                  أما النقلة المباشرة إلى الإسلام، فقد جاءت بعد اكتشافه حقيقة الموقف الذي تتبناه الكنيسة الكاثوليكية من القضية الفلسطينية، ذلك الموقف الذي يعتمد الفكرة الصهيونية حول خرافة " أرض الميعاد " ، ووهم " الشعب المختار " .

                  ولكن إذا كانت القضية تتعلق بالإسلام، فإما أن تكون التجربة كاملة أو لا تكون، والشرط الأول لتمام كمالها هـو الهداية الإلهية؛ إذ بدونها لا يتحقق سر انشراح الصدر.

                  من هـنا نتبين نعمة الإسلام التي تتجلى في حفظ الطاقات، وتوفير الجهد؛ بوضع الإنسان في مكانه الصحيح من الكون، وإعادته إلى توازنه الفطري الأصيل، حتى يحيا تجربته البشرية كاملة، ويسهم إسهاما فاعلا في إعمار الأرض.

                  ولن يتأتي ذلك إلا بمشيئة من الله تعالى، الذي خلق الإنسان ومنحه القدرة على الاختيار، وكرمه دون بقية المخلوقات الأخرى.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية