الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الاجتهاد الأكثر ضرورة أعتقد أن الاجتهاد في مجال العبادات قد بلغ مداره وأكثر، ولم تبق فيه استزادة لمستزيد، وأن المطلوب اليوم الاجتهاد في مجال المعاملات خاصة المعاملات المستحدثة.

                  يضاف إلى ذلك ضرورة الانتفاع من الإنجازات العصرية في مجال الإدارة ونظام المالية والحكم والتقدم في مؤسسات تحقيق الشورى .

                  فهل يقع هـذا ضمن دائرة الاجتهاد المطلوب اليوم والأكثر ضرورة؟

                  من المسلم به أن مجال العبادات لا يحتاج إلى كثير من الاجتهاد ، ولكن لا نسلم أنها ليست في حاجة قط إلى الاجتهاد. [ ص: 182 ] وقد قسمت الاجتهاد المطلوب لعصرنا إلى نوعين: إبداعي إنشائي، وترجيحي انتقائي. فالأول مطلوب لبيان الرأي في المسائل الجديدة التي لم يعرفها فقهاؤنا السابقون. والثاني مطلوب لاختيار أرجح الآراء من تراثنا الفقهي العريض، وأليقها بتحقيق مقاصد الشرع ومصالح الخلق.

                  ولا ينكر أي عالم له بعض الإلمام بالفقه أن الاجتهاد بالمعنى الثاني محتاج إليه في كل مجال - حتى مجال العبادات نفسها - لكثرة الاختلاف بين الفقهاء والمذاهب فيها.

                  وما أحوج المثقف العصري إلى شيء يريح ضميره من الخلاف الذي ليس أهلا لأن يفصل فيه، بل يحتاج إلى من يذكر له القول المختار بدليله، ليطمئن قلبه، ويعمل به.

                  على أن هـناك أشياء في مجال العبادات تحتاج إلى نوع من الاجتهاد الإنشائي أيضا، مثل تحديد وقت صلاة العشاء وصلاة الفجر في بلاد معينة يطول فيها النهار جدا ويقصر الليل جدا، وقد يحدث العكس، وكذلك الصوم في رمضان.

                  ومثل استخدام الحساب الفلكي في إثبات أوائل الشهور العربية، وبخاصة رمضان وشوال وذو الحجة، بناء على أن الأمة لم تعد (أمية) كما كانت من قبل، فقد أصبحت تكتب وتحسب. الخ. ومثل الإحرام لركاب الطائرات بعد النزول إلى جدة.. الخ.

                  فإذا جئنا إلى الزكاة - وهي معتبرة في عداد العبادات، بل هـي شقيقة الصلاة - وجدنا أنها في حاجة إلى الاجتهاد الإنشائي والانتقائي معا، وهو ما حاولناه في كتابنا (فقه الزكاة) .

                  ولا يزال كثير من موضوعاتها يعرض على المجامع الفقهية، وقد ألفت في الكويت الشقيقة هـيئة شرعية عالمية لقضايا الزكاة المعاصرة، شرفتني أن أكون نائبا لرئيسها.

                  ومع هـذا يبقى المجال الأكبر والأوسع للاجتهاد هـو مجال المعاملات وشئون الحياة المتطورة؛ اقتصادية وسياسية وإدارية. ولا مانع من الاستفادة مما عند غيرنا مما يتفق مع قيمنا وعقيدتنا وشريعتنا وتقاليدنا المحمودة، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها. [ ص: 183 ] المهم ألا نفقد هـويتنا، ولا نحاكي محاكاة الببغاء، أو نقلد تقليد القردة.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية