الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  من هـو المجتهد؟ لا بد من توافر شروط محددة فيمن يتصدى للاجتهاد الشرعي: فما هـي هـذه الشروط؟ وهل تنسحب على المجتهدين عموما، أم أن هـناك فرقا بين من يتصدى للاجتهاد المطلق، ومن يتصدى للاجتهاد الجزئي؟

                  ليس في الإسلام طبقة خاصة تحتكر الاجتهاد أو تتوارثه، إذ ليس فيه كهنوت ولا (إكليروس) ، ولكن هـناك عالما متخصصا يملك أدوات الاجتهاد وتتحقق فيه شروطه، فهو الذي يجتهد فيما يعرض عليه من وقائع، ويصدر فيها رأيه بما انتهى إليه اجتهاده، أصاب أو أخطأ. [ ص: 159 ] وشروط المجتهد معروفة ومفصلة في كتب أصول الفقه، منها: شروط علمية ثقافية، مثل: العلم باللغة العربية، والعلم بالكتاب والسنة، والعلم بمواضع الإجماع المتيقن، والعلم بأصول الفقه وطرائق القياس والاستنباط، والعلم بمقاصد الشريعة وقواعدها الكلية. وهذا الأخير هـو الذي ركز عليه الإمام الشاطبي ، وجعله سبب الاجتهاد ؛ ولا بد مع هـذا كله أن يكون لديه ملكة الاستنباط، وهي تنمو بممارسة الفقه ومعرفة اختلاف الفقهاء ومدارسهم، ولهذا قالوا: " من لم يعرف اختلاف الفقهاء لم يشم رائحة الفقه " .

                  وشرط آخر نبه عليه الإمام أحمد ، وذكره ابن القيم في كتابه (إعلام الموقعين) وهو: معرفة الناس، وهذا أمر مهم؛ ألا يعيش المجتهد الذي يفتي الناس في برج عاجي أو صومعة منعزلة ويصدر أحكاما بعيدة عن الواقع، أو يطبق أحكام عصر انقضى وأناس مضوا على عصر آخر وأناس آخرين، مغفلا هـذه القاعدة العظيمة: أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال والعرف، كما ذكر المحققون.

                  ويستلزم هـذا اطلاع المجتهد على أحوال مجتمعه، وإلمامه بالأصول العامة لثقافة عصره بحيث لا يعيش في واد والمجتمع من حوله في واد آخر، فهو يسأل عن أشياء قد لا يدري شيئا عن خلفيتها وبواعثها وأساسها الفلسفي أو النفسي أو الاجتماعي فيتخبط في تكييفها والحكم عليها، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره - كما يقول علماء المنطق -.

                  والمجتهد الحق هـو الذي ينظر إلى النصوص والأدلة بعين، وينظر إلى الواقع والعصر بعين أخرى حتى يوائم بين الواجب والواقع، ويعطي لكل واقعة حكمها المناسب لمكانها وزمانها وحالها.

                  وهناك شرط آخر في المجتهد، وهو شرط ديني أخلاقي، وهو أن يكون عدلا مرضي السيرة، يخشى الله فيما يصدر عنه، ويعلم أنه في فتواه في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلا يتبع هـواه، ولا يبيع دينه بدنياه، فما بالك بدنيا غيره؟!

                  وإذا كان الله تعالى قد اشترط العدالة لقبول الشهادة في معاملات الناس، فكيف بمن يشهد في دين الله، ويتحدث عن الله تعالى بأنه أحل كذا، وحرم كذا، وأوجب كذا، ورخص كذا؟! [ ص: 160 ] وهذه الشروط العلمية التي ذكرناها إنما يجب توافرها في حق المجتهد المطلق، أي: الذي يجتهد في جميع أبواب الفقه ومسائله، أما المجتهد الجزئي فيكفيه أن يحيط من العلم بما يتعلق بمسألته، بعد أن تكون عنده المؤهلات العلمية العامة، بناء على أن الاجتهاد يتجزأ، وهو القول الراجح عند الأكثرين.

                  فيستطيع أستاذ الاقتصاد أن يجتهد في مسألة ما في مجال تخصصه، إذا أحاط بكل ما ورد فيها من نصوص، وما يتعلق بها من اجتهادات، إذا كان لديه المعرفة بأصول الاستدلال، وقواعد التعارض والترجيح، وغير ذلك.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية