الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الإنسان مخلوق متفرد المفكر العالمي جارودي : عند هـذه المرحلة من الحوار، قد يكون من المناسب أن نسأل عن الهاجس الفكري الذي كان يشغل حياتك، وكيف وجدت الإجابة عليه بعد أن هـداك الله تعالى إلى الإسلام.

                  إذا حكمت على الأمور في ضوء تجربتي الشخصية، فإنني أقول بأن ما كان يشغلني هـو البحث عن النقطة التي يلتقي فيها الوجدان بالعقل، أو الإبداع الفني والشعري بالعمل السياسي العقيدي، وقد مكنني الإسلام بحمد الله من بلوغ نقطة التوحيد بينهما، ففي حين أن الأحداث في عالمنا تبدو عمياء متطاحنة، وقائمة على النمو الكمي والعنف، يروضنا القرآن الكريم على اعتبار الكون والبشرية وحدة واحدة، يكتسب فيها الدور الذي يسهم به الإنسان معنى. وفي حين أن نسيان الله يجعل منا عبيدا هـامشيين خاضعين لضرورات وصدف خارجية، فإن ذكر الله تعالى في الصلاة يكسبنا وعيا بمركزنا وبموردنا؛ الذي هـو أصل الوجود. [ ص: 61 ] ويدعو القرآن الكريم إلى أن نكتشف في كل شيء وفي كل حدث إشارة للخالق، ورمزا لواقع يعلو النظام الفريد الذي يسوس الطبيعة والمجتمع الإنساني والنفس البشرية. فطرة الدين الأساسية هـي فطرة التناسق والوحدة الصادرة عن الله سبحانه والراجعة إليه.

                  إن ما يجعل الإنسان إنسانا هـو إمكانية تحقيقه للمقاصد الإلهية، وفي استطاعته أن يلتزم بالعهد أو أن ينقضه، فعلى حين أن الإسلام لا يدخل في نطاق إرادة المخلوقات الأخرى من نبات وحيوان وجماد، إذ لا تستطيع الهروب من القوانين التي تسوسها، نجد أن الإنسان وحده يستطيع عدم الامتثال، فيصبح مسلما بقرار حر وباختيار كامل، عندما يعي نظام الوحدة والكل الذي يكسب الحياة معنى، وهو مسئول مسئولية كاملة عن مصيره طالما باستطاعته أن يرفض أو يستسلم للإرادة الإلهية القدرية. وقد أرسل الله تعالى الرسل إلى كل الأمم يدعونهم إلى الله سبحانه،والملة الأولى التي دعا إليها إبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من رسل الإسلام عليهم السلام، قبل أن تحمل الرسالة الخالدة في تمام كمالها النهائي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم. فالعقل الكامل الذي لا يقتصر على ربط العلة بالعلة وإنما يرتقي من غاية إلى أخرى ليرجع كل شيء إلى الغاية القصوى، هـذا العقل لا يتعارض مع الوحي بل يستنير به.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية