الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  المجـددون للحديث الشريف " إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها " أهمية في القضية، فماذا تعني كلمة (من) كما وردت في الحديث؟ وهل تظل عملية ترقب المسلمين لفرد مجدد ملازمة لتفكير المسلم في بداية أو نهاية كل قرن هجري؟ في ظل الفهم الإسلامي لدور الجماعة في حياة الفرد يبدو مفهوم الحديث يحمل المسلم مهمات وتبعات في إطار تجديد أمر الدين. [ ص: 167 ] هـذا الحديث الذي رواه أبو داود في سننه، والحاكم في مستدركه، والبيهقي في معرفة السنن والآثار، والطبراني في الأوسط، يمد الأمة بشعاع قوي من الأمل، يطرد عنها ظلام اليأس، ويبعث فيها الروح والأمل في أن الله لا يدعها طويلا لأنياب الضعف حتى تفترسها، ولا لدخان الهمود حتى يخنقها، ولا لمخالب التمزق حتى تقتلها، بل يهيء لها بين قرن وآخر، من يجمعها من شتات، ويحييها من موات، ويوقظها من سبات، وهذا بعض معاني التجديد، فهو يجددها بالدين، ويجدد بها الدين.

                  وقد فهم شراح الحديث أن المراد بـ (من) يجدد الدين فيه: فرد واحد، يهبه الله من الفضائل العلمية والخلقية والعلمية ما يجدد به شباب الدين، ويعيد إليه الحيوية والقوة عن طريق كلم نافع، أو عمل صالح، أو جهاد كبير، وهذا ما جعلهم يحاولون تحديد هـذا المجدد على رأس كل قرن، فاتفقوا حينا، واختلفوا حينا آخر؛ فقد اتفقوا على أن مجدد المائة الأولى: خامس الراشدين عمر بن عبد العزيز ، ومجددة المائة الثانية: الإمام محمد بن إدريس الشافعي ، ومجدد المائة الخامسة: أبو حامد الغزالي ، ومجدد المائة السادسة: ابن دقيق العيد ، واختلفوا فيما عدا ذلك اختلافا شاسعا.

                  وأرى أن (من) في الحديث، وفي لغة العرب عامة تدل على الجمع، كما تدل على المفرد، وهي هـنا تدل على الجمع كذلك، فمن يجدد الدين في كل قرن ليس بالضرورة فردا معينا، بل جماعة من الناس، قد يكون منهم العلماء، منهم الولاة، ومنهم القواد، ومنهم المربون. وقد يكونون في بلد واحد، وقد يكونون في عدد من البلاد. وقد يعمل كل منهم وحده في مجاله، وقد يتعاونون فيما بينهم فيما يشبه الرابطة أو الجمعية، وقد يكون تجديد بعضهم في مجال الدعوة والثقافة، وآخر أو آخرين في مجال الفقه، وجماعة في مجال التربية والتكوين، وغيرهم في مجال الإصلاح الاجتماعي، وفئة أخرى في المجال الاقتصادي،وسواها في مجال السياسي. ولا مانع من تعدد هـذه المجالات واختلاف ألوان العمل والتجديد، على أن يكون اختلاف تنوع وتخصص، لا اختلاف تضاد وتناقض، أعني: أن يكون هـناك تكامل وتناسق وتعاون بين هـذه الأنواع المختلفة من العمل، بحيث يكمل بعضها بعضا، ويشد بعضها أزر بعض، لا أن ينكر بعضها على الآخر، أو يعوق بعضها بعضا؛ فيؤدي ذلك إلى ضعفها جميعا وقوة أعدائها.

                  إن ربط التجديد بفرد واحد فذ، يجعل الناس يعيشون على أمل ظهوره، وكل ما عليهم [ ص: 168 ]

                  انتظاره حتى تنشق الأرض عنه ليجدد ما عجزوا عنه.

                  والذي أراه أن يربط التجديد بجماعة أو مدرسة أو حركة، يقوم كل مسلم غيور فيها بنصيبه في موكب التجديد، ويسهم على قدر طاقته في مسيرته، ولا يصبح السؤال: متى يظهر المجدد للدين؟ بل يكون: ماذا أعمل لتجديد الدين؟

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية