الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  اختصار فجوة التخلف في الحقيقة، هـناك حد أدنى لما يجب أن يعلم من الدين بالضرورة، وهو ما لا يستطيع مسلم أن يمارس إسلامه ولا عبادته إذا لم يتعلمه، لكني أتكلم فيما وراء هـذا القدر، وكل إنسان محاسب على حواسه وملكاته التي من الله عليه بها، وهو مسئول أن يستخدم هـذه الملكات إلى أقصى قدر ممكن، ومن ذلك أن يكون نابغا في النواحي التي مكنه الله منها، سواء أكانت هـندسية أو طبية أو علمية. نقطة أخيرة أود طرحها في هـذا الحوار؛ هـي أن بعض الناس في عالمنا الإسلامي يعتقد بأنه من المستحيل على المسلمين اللحاق بالركب العلمي والتقني الذي [ ص: 83 ] وصلت إليه أوروبا وأمريكا ، والأولى بهم أن ينصرفوا إلى آفاق أخرى؛ لأن عملية الاختصار لفترة التخلف أصبحت بعيدة المنال، وهذا يعني أن المسلمين سيبقون - في القضية العلمية - يعيشون على العطاء الغربي، فما أدري: هـل هـذه المقولة في المجال العلمي مقولة صحيحة؟ وهل من المستحيل فعلا على المسلمين الآن أن يختصروا فجوة التخلف؟

                  طبعا.. ما من شك أن الفجوة التي بيننا وبين العالم غير الإسلامي والعالم الغربي بصفة عامة في قضايا العلم والتقنية فجوة هـائلة جدا، وتزداد هـذه الفجوة اتساعا يوما بعد يوم بمعدلات رهيبة، لأنهم يعملون بتخطيط دقيق، ونحن نعمل بغير تخطيط - إن كنا نعمل - لكن تبقى نقطة هـامة للغاية أود أن أطمئن المسلمين عنها وهي:

                  أن العلم والتقنية من القضايا المنطقية، بمعنى أنها ليست طلاسم، وليست ألغازا بحيث لا يستطيع العقل الإسلامي أن يستوعبها وأن يفهمها، بل بالعكس هـي قضايا منطقية، يمكن للذي يبدأ الآن معالجتها بموضوعية أن يصل فيها إلى أقصى ما وصلت إليه المجتمعات الأخرى؛ لأنه سيأخذ آخر ما وصلوا إليه وينطلق به، وعلى هـذا فإن محاولة رأب هـذه الفجوة ليست مستحيلة على الإطلاق، بشرط أن نأخذ بالأسباب، ونبدأ في بناء معاهدنا العلمية ومراكزنا التقنية بشيء من الجدية. وأقول: - للأسف الشديد - إن المعاهد والمراكز في العالم الإسلامي اليوم تتصف بصفة المظهرية، حيث تهتم بالشكل ولا تهتم بالمضمون أو المحتوى.

                  فإذا نحن أخذنا بالأسباب فمن المؤكد - خلال سنوات معدودة وفي فترة زمنية قصيرة - أن تردم هـذه الفجوة بإذن الله، علما بأن مقومات ذلك متوافرة، حيث يوجد لنا في كل جامعات العالم الغربي والشرقي على حد سواء، كوادر إسلامية على أعلى مستويات العلم والتقنية، وهي تقوم بأدوار رئيسة في البناء التقني الغربي، وتحظى بالتقدير والاحترام، في مناخ يهيئ لها فرص النبوغ والإبداع.

                  ولكن إذا لم تجبر هـذه الفجوة، هـل نرضى بالتخلف الدائم للمسلمين؟! وهل سيظل القرار السياسي والقرار الاقتصادي والقرار الفكري - على مستوى العالم - لغير المسلمين؟ هـذا هـو السؤال.

                  " جمادى الأولى 1404 هـ - شباط (فبراير) 1984م. [ ص: 84 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية