الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الشعارات وخداع الجماهير وقد نقلت مجلة " الكاتب " التي كانت تصدر في الخمسينيات في مصر قديما، شيئا أشرت إليه في كتابي " التاريخ الإسلامي والمذهب المادي في التفسير " ؛ كلمة لقطب شيوعي إيطالي أتى إلى مصر، وكان يسير في جولة سياحية مع بعض أصدقائه من اليساريين أو الماركسيين في أحياء القاهرة التقليدية أو الأحياء التاريخية، وكان ذلك يوم جمعة، وشهد الإيطالي جماهير المصلين تخرج من مسجد الأزهر، أو من مسجد الحسين؛ أو من كليهما معا - في تلك المنطقة - فقال لرفقائه من المصريين: لو كنت في بلدكم لما تركت منابر هـذه المساجد؛ فلا بد أن نستغلها في التوجيه إلى ما نريد (!!) . [ ص: 117 ] الذي يريد أن يخاطب الناس من فوق منبر المسجد لا بد أن يستخدم اللغة التي يعرفها جمهور المصلين، فإذا كان الأمر أمر دعاية، وأمر اقتناص للجماهير، وأمر إفادة من تجمعهم وحشودهم في المساجد، دون إخلاص صادق للإسلام في ذاته وللتحول الإسلامي في ذاته، فإن اليساريين الذين يستخدمون الإسلام لهذا الغرض، لن يكونوا أفضل في نظرتهم وفي عملهم من ذلك الإيطالي، وإن كانوا يحملون أسماء إسلامية، تيسر لهم الولوج إلى الصحف، أو إلى المنابر - ربما - أو إلى مخاطبة المسلمين أو إلى ترداد آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن العقلية المستقرة، والخلفية " الأيديولوجية " هـي خلفية ذلك الإيطالي نفسه، وهي فكره نفسه ومنطلقه، مثل هـؤلاء لا يمثلون اليسار الإسلامي، لأن اليسار الإسلامي الصحيح في نظري لا بد أن ينطلق من ركيزة إسلامية، ومن إخلاص للإسلام، ومن حرص على تطبيقه، ومن منطلق يقوم على فهم أصوله ومبادئه، وتعاليمه ومنهجه، أما أن تكون كلمات تلاك، وشقشقات تستعمل وتزويق يزوق به كلام ماركسي، أو قضايا ومفاهيم يسارية معروفة، فإن هـذا لا يوصل إلى شيء حقيقي في فهم الإسلام، ولا في العمل الإسلامي.

                  وقد امتلأت الساحة بكثير من اليساريين، لا أقول كل من يتكلم عن اليسار الإسلامي هـم من هـذا الفريق، لكن هـناك كثيرين في الساحة الآن هـم ماركسيون أصلاء، وإنما يستعملون كلمات إسلامية، وشعارات إسلامية، لمجرد الولوج إلى الجماهير المؤمنة.

                  وعلى ذلك فأنا أرى أن اصطلاح اليسار الإسلامي يعبر عن حقيقة لا بد أن تكون لها مدلولها ولها شروطها، فهي ليست كلمة تقال، وليست " تكتيكا " يقصد به المروق أو الولوج إلى قلوب الناس وعقولهم، إن اليسار الإسلامي إسلامي أصلا، إذا صح أن يقوم هـذا اليسار وأن يؤدي مهمته في الساحة " الأيديولوجية " ، وفي ساحة العمل للإسلام.

                  أما إذا كان الأمر مجرد مطية لليساريين الموجودين قبلا، والذين يعملون من قبل تحت شعارات أخرى، وبمفاهيم معروفة، فأظن أن استخدامهم هـذه الشعارات الإسلامية أو هـذه الشكليات الإسلامية، لن يزيدهم اقترابا من الناس، ولن يزيد الناس لهم فهما، [ ص: 118 ] ولن يكونوا أكثر توفيقا مما كانوا من قبل، لأن المؤمنين لديهم من الخلفية الإسلامية، ومن التراكمات الثقافية التي تأتي عبر الأجيال، ما يجعلهم أذكى مما يتصور الذين يتلاعبون بالألفاظ، وإنهم يرفضون كل من يحاول أن يتمسح بالإسلام، وكما قيل: تستطيع أن تخدع الناس كلهم بعض الوقت وتستطيع أن تخدع بعض الناس الوقت كله، ولكنك لن تستطيع أن تخدع جماهير المسلمين في سوادهم وفي مجموعهم الوقت كله.

                  بهذا يمكن أن نقول إن مصطلح اليسار الإسلامي لم يؤد غرضه؟!

                  من الوجهة النظرية أقول: إن فيه قابليات إيضاحية وتفسيرية، ولكن من الوجهة العملية حتى الآن لم يستطع أن يوضح مفهوما أو يستقطب جماعة لها مفهومها المؤثر، أو لها فعاليتها في الساحة " الأيديولوجية " ، بحيث يصبح المصطلح خادما لحقيقة.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية