الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  ثغر ثقافية كيف ترون الواقع الثقافي الآن؛ خاصة وأن بعض المسئولين عن قضايا التعليم أو بعض الدارسين في الغرب أو غيرهم يكاد يكرس قضية تعتبر من الثغر الثقافية الخطيرة، وتلمح في بلاد المغرب أكثر منها في بلاد المشرق، وإن كتب لها شيء من الامتداد فالخطر قادم وشديد، ولعل الله سبحانه يحفظنا من ذلك ويهيئ بعض العلماء العاملين للمرابطة على هـذه الثغور ومواجهتها، وهي قضية أن العربية لا تصلح أن تكون لغة العلوم ومصطلحاتها، والدراسة ومراجعها، وأن أهميتها وتعلمها يأتي من كونها لغة الدين والعبادة فقط، وليست لغة العلم؛ بينما اللغة الأجنبية هـي لغة المدارس والمعاهد والمصادر العلمية، وبذلك تحاصر العربية، وتعزل عن حياة الأمة، وتنتهي إلى المساجد، ويقتصر فهمها وإتقانها على فئة من المعنيين بشئون الدين والعلوم الشرعية؟

                  لا شك أن اللغة العربية مقوم من مقوماتنا الذاتية، وتعبير عن أصالتنا وفكرنا، إنها لغة التنزيل.

                  والوضع في المغرب العربي لا أقول بأنه يسير إلى الوراء وإنما يسير إلى الأمام؛ لكنه يسير ببطء، فإذا أخذت وضع تونس قبل الاستقلال مثلا، تجد أن التعليم في مراحله الثلاث: الابتدائية والثانوية والعالية، كان يعتمد اللغة الأجنبية لتدريس العلوم التجريبية، بينما أخذ اليوم في تعريبها، فالتعليم الابتدائي يكاد يكون معربا كله، والتعليم الثانوي عربت فيه كثير من المواد، وإن كان التعريب يسير سيرا بطيئا إلا أنه بخطا ثابتة، هـذه تجربتنا في تونس ، وهي التجربة نفسها في المغرب وفي الجزائر .

                  كما أن الجامعة أخذت تدرس العلوم الإنسانية باللغة العربية، فكلية الحقوق عربت بنسبة طيبة، وفي كلية العلوم الإنسانية من تاريخ وجغرافيا، وجهت دعوة إلى كل من [ ص: 131 ] يستطيع أن يدرس من الأساتذة بالعربية يرجى منه أن يدرس مادته بالعربية.

                  في التعليم الثانوي، كانت الفلسفة مثلا تدرس باللغة الفرنسية، ثم وقع التخيير بين الفرنسية والعربية، ثم حذفت الفرنسية تماما وأصبحت تدرس بالعربية، وهو ما نعتبره مغنما كبيرا، وذلك لأن ما يعشش في عقول التلاميذ من الدراسات الفلسفية من مصادرها الغربية يؤثر على الفكر تأثيرا كبيرا.

                  قد يكون من الإصابات الخطيرة التي لحقت بالعالم الإسلامي وبالثقافة الإسلامية تدريس الفلسفة العامة وفلسفة التعليم باللغة الأجنبية، الأمر الذي يقتضي اعتماد مصادرها العلمية بطبيعة الحال، وما يترتب على ذلك من مخاطر في مجال تشويه نظرة المسلم إلى الكون والحياة والإنسان.

                  وهذا ما كان في تونس ، ولكن وقع جهاد مرير لإقناع القوم بتعريب التعليم، وأنا لا أقول بأن القوم ضد الإسلام وضد العربية، ولكن لديهم أفكار ومفاهيم خطأ، وهذه لا بد من تصويبها بالحكمة والزمن والعمر الطويل، وهذه وجهة نظري؛ لأن مقابلة صاحب السلطة بالعنف لا تؤدي إلا إلى العنف من الجانب الآخر، فإذا نظرنا إلى تطور الأحداث حسب سنن الله في الكون نجد أن العربية والإسلام يغنمان كل يوم مغانم كثيرة، وأن الغزو الفكري والتغريب يتراجعان شيئا فشيئا. وبما أن الإنسان خلق من عجل، فنحن نرى أن هـذه الخطوات ضعيفة لأننا نريد أن نصل إلى غاياتنا بسرعة، ولكن هـناك ظروف لا بد من النظر فيها وتقديرها في كل عمل يراد له النجاح، وإذا كان العمل عملا فوريا ثوريا في آن واحد فهو قطعا سيلاقي من الرفض ما يقف به عن تحقيق أهدافه.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية