الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  قصور الفقه السياسي من المعروف أن الفقه السياسي قد توقف عن النمو من زمن بعيد، حينما انفصل السلطان عن القرآن، بينما استبحر واستمر النمو في الفقه التشريعي والعبادي، الأمر الذي قد يجعل المكتبة الفقهية الإسلامية - في مجال الفقه السياسي - تبدو عاجزة في بعض الأحيان عن مد التجربة الإسلامية بقدر كاف من الفكر الفقهي ييسر أمامها رؤى ومواقع جديدة، مما يتطلب اجتهادا ضمن إطار مقاصد الشريعة وقواعدها العامة، فكيف يمكن معالجة ذلك، خاصة أن الدولة الحديثة اضطلعت بوظائف جديدة وحققت آفاقا بعيدة ومعقدة على المستوى الداخلي وفي مستوى العلاقات الدولية؟

                  كان قدر المسلمين في تاريخهم أن يكون أول ما عطلوا من التدين وأكبر ما قصروا فيه هـو جانب السياسة؛ ففتنة الصراع السياسي أحاطت بهم، ولم يقوموا بقدر من التدين يكافئ قدر هـذه الفتنة التي تعاظمت بانتشار الإسلام السريع ودخول طوائف وقوى سياسية منفعلة بتاريخ السياسة اللادينية الجاهلية، ولذلك تبدل نظام الخلافة، وأصبح السلطان في كثير من جوانبه لا يقوم على نيات التدين. وبعد الواقع السياسي عن العقيدة شيئا ما [ ص: 36 ] - ولا أقول خرج منها تماما لأن معاني الدين بقيت تظلل الدولة الإسلامية إلى عهد قريب حتى مرقت عمدا وسفورا من بعد سقوط الخلافة العثمانية - ومن انحسار الواقع ينحسر الفقه لأن العلم والعمل متلازمان، فإذا اتسع العمل اتسع معه العلم، وإذا اتسع العلم اتسع معه العمل، وإذا انحسر العمل كذلك انحسر معه العلم، فالفقهاء زهدوا فيما عند الحكام، والحكام أدبروا عما عند الفقهاء في مجال السياسة خاصة، ولذلك تضاءل الرصيد الفقهي السياسي في تراثنا.

                  وتعقدت علينا هـذه المشكلة في السودان ، لأن السودان لم يكن من البلاد التي فتحت وتأسست فيها نظم للإسلام، ولذلك تبقى بقية من بعض صور التطبيق الإسلامي القديمة يمكن أن تكيف وتطور. ولم يمارس السودان الدولة الإسلامية بمعناها الواضح السافر إلا لماما.

                  وبالرغم من أننا حاولنا - من تجربة الغرب الكثيفة في مجال السياسة - أن نقايس، كما حاول بعض المفكرين المسلمين أن يقدروا كيف تكون الأحكام الإسلامية في واقع حضري كثيف تقوم فيه سلطة واسعة الوجود، إلا أن هـذه المبادرات الفقهية التي ظهرت أخيرا، بين يدي تحديات الواقع، لا تكاد تغني شيئا، وإن كان لنا كسب من الفقه الشعائري ومن فقه الأحكام في الأحوال الشخصية بل في المعاملات المدنية، لا بأس به، وإن كان يحتاج إلى استكمال الكثير؛ إلا أنه إذا قسنا إليه رصيدنا من الفقه السياسي ألفيناه ضئيلا جدا في واقع الأمر.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية