الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  من جور الأديان إلى عدل الإسلام ولكن لا بد من التحقق بقدر من الحرية كبير يميز التوجه الإسلامي عن الأنماط الأخرى التي أهدرت إنسانية الإنسان تحت عناوين شتى ومسوغات مضحكة من منطلق الاستبداد السياسي الموجود في كثير من بلدان العالم العربي والإسلامي، حتى الذي ينسج على منوال أوروبا ، يحاول أن يتهم الشعوب بوعيها وبقدرتها على التعامل مع جو الحرية ولذلك يأخذها بلون من الاستبداد السياسي، ولا ندري: كيف يمكن، إذا لم تكن مكتملة الوعي، أن يكتمل وعيها بالظلم والاستبداد السياسي؟ فقد يكون المطلوب أن تتحقق التجربة بقدر من الحرية مميز؛ ذلك أن التوجه يعني - أول ما يعني - الخروج من جور الأديان إلى عدل الإسلام، وإلا افتقد التوجه مقومات وجوده.

                  إن الغرب الذي ينعي علينا نظمنا التي يتهمها - استبدادا - يفعل ذلك ليكيد لصورة المسلمين. فإذا رأى توجها عند المسلمين للحرية، والحرية عادة تفتح الباب للشعب والشعب منفعل بالدين، وأد تلك الحرية بفعله حتى تظل التهمة متعلقة بنا، وحتى ينسد الباب أصلا دون الإسلام، ولكن صحيح ما تقول: إنه لا بد من توفير قدر واسع من الحرية لأنه لا يمكن للتدين أن ينمو إلا في مناخ الحرية، وما قام نبي إلا دعا أن يعمل كل على شكلته، ويعمل كل على مكانه، وألا يلزم الواحد أخاه، وألا يكرهه على الدين لأن التدين هـو تحرر من واقع القهر والسلطان، وحتى يتعبد الإنسان لله سبحانه وتعالى. فالحرية لازمة من لوازم التوحيد وضرورة من ضرورات تنمية التدين، ولا بد من أن نهيئ لها المسلمين؛ لأن المسلمين لم يتهيئوا لهذا القدر من الحرية، فقد عهدوا في تاريخهم كله - ولا أقول في البناء السياسي وحده بل في البناء الاجتماعي أيضا - قدرا كثيرا من التعبد والتذلل للسلطات البشرية، فكان الفقيه دائما يلقي بالفتوى ولا يناقش أبدا، ولا دور للعامي إلا أن يتلقى وينفذ دون أن يداور ويحاور، وكذلك في طوائفنا الدينية تجد الأتباع كأنهم لا شيء، عطلوا الدين كله [ ص: 39 ] وأصبحوا يتحركون بإشارة، فنحن لنا تقاليد اجتماعية وفكرية وسياسية تكرس بعض الممارسات المخالفة لقيمنا.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية