الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  تعديل شرائط الاجتهاد في عصر تقدمت فيه الطباعة، وألغيت فيه المسافات، وشاعت المعرفة، وظهرت الموسوعات في شتى العلوم العامة - إلى جانب العلوم الشرعية الأصولية واللغوية - وتوفرت هـذه الأمور جميعها؛

                  هل ترون شيئا من التعديل بشرائط المجتهد بعد هـذه الإضافات التي لم تكن موجودة سابقا والتي أصبحت تقوم في كثير من الأحيان مقام الذاكرة في الحفظ؟

                  وهل بإمكاننا القول بأنه يكفي تحقق الملكة والقدرة على النظر، حيث تكفلت المكتبة اليوم بالأمور الأخرى التي كان لا بد من حفظها ومعرفتها؟

                  الأصوليون أنفسهم الذين ذكروا الشروط التي يجب توافرها في المجتهد، ذكروا لها أيضا (مخففات) تجعل تحصيلها غير عسير، حتى في الزمن الماضي.

                  فالإمام الغزالي في كتابه الشهير (المستصفى) بعد أن ذكر شرط المعرفة بكتاب الله، بين أن فيه تخفيفين، أحدهما أنه لا يشترط معرفة جميع الكتاب، بل مايتعلق بالأحكام منه ؛ والثاني: أنه لا يشترط حفظها عن ظهر قلب، بل أن يكون عالما بمواضعها؛ بحيث يطلب فيها الآية المحتاج إليها في وقت الحاجة.

                  وكذلك في شرط معرفة السنة - الأصل الثاني للأحكام - قال: وفيها التخفيفان المذكوران؛ إذ لا يلزم معرفة ما يتعلق من الأحاديث بالمواعظ وأحوال الآخرة ونحوها، والثاني: لا يلزم حفظها عن ظهر قلب، ويكفيه أن يعرف مواقع كل باب فيراجعه وقت الحاجة إلى الفتوى، وإن كان يقدر على حفظه فهو أحسن وأكمل. [ ص: 181 ] هـذا ما قاله الغزالي منذ تسعة قرون أو تزيد، ولا شك أن عصرنا يمنحنا قدرات أكبر، وبهذا تكون لدينا تخفيفات أكثر.

                  المهم هـو التكوين العلمي الأصيل، الذي يمكن صاحبه من القدرة على فهم الكتاب والسنة، وذلك بهضم المعارف اللغوية والأصولية اللازمة لحسن الفهم، والإحاطة بمقاصد الشريعة وكلياتها، ووجود الملكة الأصيلة التي يقتدر بها على استنباط الحكم المناسب للواقعة. وهذه الملكة لا تولد من فراغ، بل من قدرة فطرية موهوبة، تمدها معارف مكتسبة، ومعايشة طويلة وعميقة للنصوص الجزئية والمقاصد الكلية معا.

                  هذا إلى جوار معرفة مستنيرة للعصر والبيئة والحياة، وسنن الله فيها، وما يمور في باطنها من أفكار وتيارات، وما يحدث على ظاهرها من أعمال وتصرفات.

                  فالفقيه الذي يعيش بين الكتب وحدها، مترهبا في صومعة القراءة والمطالعة، بعيدا عن دنيا الواقع، ومشكلات الناس، يخشى ألا يقع اجتهاده في موقعه الصحيح.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية