الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  التغيير الجذري المطلوب ظهور وتولد مصطلح ما لا بد أن يكون نابعا من ضرورة، تقتضي ذلك؛ فما مدى ضرورة التغيير " الأيديولوجي " في هـذه المرحلة التي ظهر فيها هـذا المصطلح في نظركم؟

                  لا شك أن هـناك قوما يؤمنون بالتغيير الجذري، ويؤمنون بأن الحلول السطحية أو المرحلية أو الموقوتة ليست هـي المطلوبة للإسلام، لكن هـؤلاء الذين يؤمنون بالتغيير الجذري لا يؤمنون باستعمال كلمة (راديكالية) أو استعمال كلمة (يسار) وحتى كلمة (جذري) يستخدمونها لمجرد الوضوح لا لمجرد التسمية الفكرية، فلو أردت أن تطلق في الساحة السياسية مصطلح الجذرية مثلا بدل اليسارية أيضا ستصادف بعض المتاعب؛ مع أنه لفظ عربي سليم، لكن سيقولون لك: من هـم الجذريون؟ ومن هـم غير الجذريين؟ وسندخل أيضا في قضية تعريفات، أنا أعتقد أن المفهوم قد يكون متفقا عليه، التغيير الجذري المطلوب للمسلمين هـو الذي يصل إلى أعماق الفرد وأعماق تفكيره، وأعماق بنائه النفسي، ويصل إلى أعماق المجتمع، نحن لا نؤمن فقط بأن البنية السفلية هـي الحاجات المادية، نحن نؤمن بأن التغيير الجذري يحدث في عقول الناس، وفي قلوبهم، وفي بنيتهم الفكرية، ولا بأس أن نراعي أن تكون للظروف الاجتماعية مما يعين الناس على الخير، وعلى الحق، وعلى المعروف، ونحب أن يقوم العدل الاجتماعي، وتضمن حقوق الإنسان، الأمر الذي يعين كل فرد على التفكير الحر، وعلى الاقتناع، وعلى الاتجاه إلى فضائل الإيمان كلها، وإلى تنمية سمو النفس البشرية لدى الأفراد ولدى الجماعات، مفهوم التغيير الجذري عندنا قد يختلف عن [ ص: 120 ] مفهوم التغيير الجذري عند غيرنا، وإن كنا لا نحيف بالعدل الاقتصادي والاجتماعي؛ إلا أننا نرى أن الناس يمكن أن يأكلوا، وأن يشبعوا، وأن تضمن حقوقهم، ولكن يعيشون كالأنعام يأكلون ويتمتعون فقط؛ دون أن يؤدوا حظوظهم الفكرية والنفسية، التي ميزت الإنسان عن غيره من الكائنات الحية.

                  فلذلك نحن نؤمن بالتغيير الجذري، وليس التغيير الجذري فرديا فقط، إذا كنا نتكلم عن التربية النفسية أو التوجه النفسي والفكري فنقصد بذلك الفرد والجماعة على حد سواء، فإن الفرد سيتمزق إن كان الأفراد كل له وجهة، وإن أبحنا اتجاها إلى الله، واتجاها إلى الهوى والى الشيطان. إذن فلا بد أن تتجه الجماعة في قلوبنا وعقولنا إلى وجهة واحدة، تعين الأفراد على هـذا التوجه. ويضمن العدل السياسي والقضائي والإداري والاقتصادي والاجتماعي والدولي المناخ لنمو النفس الإنسانية التي تحقق جوهر الإنسان، فإن هـذا النمو هـو المقصود بتوفير الظروف المادية كلها، فنحن نتفق مع الذين يريدون أن يحققوا مناخ الضمانات المادية؛ لكننا نراه شرطا لخطوات أبعد، ولرقي أكبر وأوسع أفقا، وأعمق جذورا، وأدوم زمنا، هـذا هـو الرقي النفسي العقلي وهو التغيير الجذري الحقيقي.

                  هذا ما نريده بالتغيير الجذري للنفس الإنسانية، وللمجتمع الإنساني. والذي نرى أن الإسلام هـو الذي يحقق السبيل إلى هـذا التغيير الجذري الحقيقي من أعماق الإنسان نفسه.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية