الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  معلومات الكتاب

                  فقه الدعوة ملامح وآفاق [الجزء الثاني]

                  عمر عبيد حسنة

                  الفروض الكفائية تعني وجوب تحصيل الاكتفاء الذاتي. هذا يعني أنه لا يمكن أن تتحقق وظيفة الإنسان الشرعية على الأرض ما لم يحصل على العلم التقني، وأنه - حتى في زمن التخصص - لا بد أن يحمل لنا العقل المجتمعي الإسلامي نظرة عامة عن هـذه العلوم جميعا، بمعنى أن المجتمع الإسلامي يحتوي على كل التخصصات. وهذا الموضوع في تقديري يرتبط بفهم المسلمين الآن لما يسمى فرض الكفاية وفرض العين ، حيث أصاب هـذا الفهم شيء من القصور، وأعتقد أن طلب العلوم الشرعية - أي ما يجب أن يعلم من الدين بالضرورة - هـو فرض عين على كل مسلم. أما فيما وراء ذلك من التخصصات فتبقى فروضا كفائية ، وأبسط ما يقال في فهم معنى الفروض الكفائية أن يتوافر العدد الذي يغطي حاجة المجتمع لهذا التخصص أو ذاك، فإذا قام به بعض الأفراد دون أن يصلوا إلى الحجم الذي يغطي حاجة المجتمع، يظل المجتمع آثما.

                  اسمها فروض كفائية، ومعنى أنها " كفائية " أنها تحقق الاكتفاء الذاتي في هـذا الجانب للأمة المسلمة.

                  إن هـذا الكلام صحيح تماما، ويعكس التصور الإسلامي لقضية العلم - الذي يختلف عن التصور الغربي الأوروبي - حيث نتلقى العلم اليوم من خلال فلسفته؛ فحين قامت النهضة العلمية في العالم الإسلامي وكانت أوروبا تغط في نوم عميق في عصور الظلام أو العصور الوسطى، حمل العالم الإسلامي تراث البشرية من المعارف في الحضارات السابقة والمعاصرة لبعثة محمد صلى الله عليه وسلم - حضارة الفرس والروم والهند والصين ومصر القديمة - جمع كل ذلك وصفاه بمنطق النظرة الإسلامية الصحيحة، وأضاف إليه إضافات أصيلة، وحين أخذته عنه أوروبا بعد ذلك عن طريق المدارس الإسلامية في الأندلس وجنوبي أوروبا بصفة عامة - صقلية وجنوبي إيطاليا - ظهر الفارق واضحا، فالمسلمون لم يجدوا في تعاليم الإسلام وأصوله ما يمكن أن يقف حائلا دون [ ص: 73 ] نشاطهم العلمي، بل وجدوا في القرآن الكريم وفي أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما يدفعهم إلى ذلك دفعا، بينما كان الموقف مختلفا تماما في عصر " النهضة " - عندما بدأت أوروبا في (أواخر القرن السادس عشر) تأخذ بالأسباب انطلاقا من القاعدة التي علمتها لهم الأمة الإسلامية ومدارسها في شمالي أفريقيا وجنوبي أوروبا ، فكانت المفاصلة بين رجال العلم والكنيسة - لأن الكنيسة كانت تتبنى أفكارا ونظريات علمية مغلوطة انطلاقا من كتاب " الأصول " أو " الخلق " بالعهد القديم، وكانوا يعتقدون أنها حق إلهي مطلق لا يجوز الخروج عليه، وعندما بدأت الاكتشافات العلمية تتعارض مع ما جاء في " سفر التكوين " قامت حملات الاضطهاد في وجه رجال العلم، فلم يكن للعلم أن ينهض بغير مفاصلة بينه وبين الدين.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية