الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  من المبادئ إلى البرامج في تصوري أن الاختبار الحقيقي للدعوة الإسلامية الحديثة، يكمن في القدرة على الانتقال من مرحلة المبادئ إلى مرحلة البرامج؛ ألا تعتقدون بأن مؤسسات الدعوة - وهي مرحلة قبل مرحلة الدولة - يمكن أن تكون مراكز تدريب أيضا على الحياة الإسلامية، وعلى التطبيقات الإسلامية باعتبارها عينة من عينات المجتمع، إذ الأصل فيها أن تحمل هـموم المجتمع القائم، وأن تعيش صورة مصغرة تطبيقية عن المجتمع المنشود، وتكون مركز تدريب للدعاة؛ حتى إذا ما حانت مرحلة تطبيق البرامج استطاعت أن تقدم العناصر البشرية المدربة والقادرة على فقه مرحلة التطبيق، وحسن التعامل معها.

                  نعم في عهد أطبق فيه النسيان، وعمت الغفلة عن الدين كله، وأصبح الدين بأصوله الأولى غريبا عن المجتمع، وسادت في مجتمعاتنا كذلك فترات من تاريخ إسلامي انحسرت فيها كثير من معالم الدين، وتحولت فيه كذلك كثير من صور ممارسة الدين إلى مجرد عواطف ظاهرية ليس وراءها من أصول الإيمان في النفوس بقايا، تناصر هـذا التاريخ المبتعد عن الدين مع الغزو الثقافي الغربي، الذي أخرج الدين تماما من الحياة العامة ومن قلب هـموم المجتمع، كان لزاما على الحركة الإسلامية والدعوة الإسلامية عندئذ أن تصوب جل دعواتها ومناظراتها ومجادلاتها على هـذه الأصول حتى تحيي شعاب الإيمان من جديد، [ ص: 23 ] لا إسلاما بعاطفة الخوف من الله والرجاء في الله وحسب، ولكن تصويبا لهذه الدوافع الإيمانية نحو قضايا التدين المختلفة، وللمناطق التي انحسر فيها الدين وأصبحت بقع إشراك، واتسعت هـذه البقع حتى حاصرت الدين في زاوية محدودة من الحياة.

                  كان لزاما أن تصرف الحركة الإسلامية جانبا كبيرا من هـمها لهذه القضية، ولكن يؤسف المرء أن يقول: إنه على تطاول الزمن، وعلى تذكر بعض المسلمين لهذه الأصول، كأنما انحبست الحركة الإسلامية في هـذه المرحلة لوقت أطول مما ينبغي، بل إن دعوتها قد ولدت عند المسلمين طاقات من الإيمان هـائلة، فبدأت حركة المسلمين المنفعلة بذكر الله سبحانه وتعالى في مجالات الحياة العامة، تعبر عن نفسها في حركات سياسية، وفي توجهات وتطلعات اقتصادية وغير ذلك.

                  ومع ذلك، فإن فكر الدعوة الإسلامية ظل حبيس هـذه المرحلة، حتى إنك لتجد أن الحركة الإسلامية حتى في أشكال تنظيمها لا تضرب أنموذجا صادقا للإسلام، فمثلا تجد أن القيادة غير شورية، أو تجدها شورى شبه وراثية، وتجد علاقات المناصحة والمناصرة والموالاة لا تمثل أنموذجا للدولة الإسلامية التي يريدونها. ولو أنهم نقلوا الصورة التي تقوم بها جماعتهم إلى المجتمع لكانت صورة شائهة للإسلام؛ ذلك من محض الغفلة عن ضرورة تنزيل الدين على الواقع، وتعلم هـذا الفقه الواقعي.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية