الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الكتاب.. والمحاكمة قد يكون من المناسب الآن السؤال عن مهمة " المعهد الدولي لحوار الحضارات " الذي قمتم بإنشائه مؤخرا، وتصوركم عن الدور الذي يمكن أن يؤديه، والمشروعات التي يضطلع بتنفيذها في المرحلة الحالية؟

                  في المرحلة الحالية، وبالنظر إلى أن الدعاية الصهيونية منظمة تنظيما محكما في الغرب، وهي تمثل أحد العوائق الأساسية أمام تفهم العالم الغربي للحقائق وفهمه الصحيح للإسلام، فإن المعهد قد رسم لنفسه مهمتين: [ ص: 66 ] الأولى: إيجاد جواب مقنع للدعاية الصهيونية ، والثاني: إبراز صورة أمينة للإسلام في لغة تمكننا من تحقيق أكبر إشعاع ممكن في العالم الغربي، وقد بدأنا هـذا العمل بكتابين اثنين - كمرحلة أولى لمشروع كبير - صدر أحدهما تحت عنوان: " مبشرات الإسلام " ، أما الكتاب الثاني فهو عبارة عن ملف عن الصهيونية ، وقد حرصت فيه على إظهار الحقيقة التي تتمثل في أن الصهيونية تلاقي اليوم خيبة عميقة في العالم الغربي لأنها قدمت ادعاءات أسطورية في قالب الحقيقة الواقعة، معتمدة في ذلك على التعاليم النصرانية القديمة، أولا: مسألة " أرض الميعاد " ، بدعوى إضفاء رؤية توراتية وتاريخية لملكية أرض فلسطين بتشريع إلهي، مبررين بهذا الوعد المزعوم احتقارهم لحقوق الشعب الفلسطيني.

                  وثانيا: مسألة " شعب الله المختار " حتى يكون هـذا الشعب هـو القدوة في العالم، وتعتبر الكنائس النصرانية، ومن ورائها كل العالم الغربي، أنها الوريثة لهذا الشعب المختار، ومتضامنة معه حيث إنها مكلفة بالرسالة نفسها. وبهذا الخلط المستمر بين إسرائيل الواردة في التوراة، ودولة إسرائيل المعاصرة، فإن الأخيرة تمكنت من أن تواصل - بدون رادع - القيام بدور الوكيل للاستعمار الغربي الجماعي، وهذا يوضح كثرة الأموال الطائلة التي تتلقاها من الخارج خاصة من الولايات المتحدة الأمريكية ، ومن الشبكة العالمية للصهيونية، التي تمثل أهم مواردها المالية. كما يوضح أيضا إيمان الغرب بالأساطير الصهيونية التي تقدم إسرائيل في صورة من يعمل على إحياء " الصحارى " - وهي الصورة التقليدية لكل استعمار - ويفسر في الوقت نفسه المساعدات العسكرية الرهيبة التي تغمرها بدون قيد ولا شرط، بما في ذلك تجهيزاتها النووية. إن الأسطورة الصهيونية تستخدم المبرر التاريخي التوراتي للسياسة التوسعية لإسرائيل، ليس فقط من النيل إلى الفرات، ولكن - كما صرح بذلك أرييل شارون - الدردنيل ، والسويس ، والخليج ، والمغرب تهمهم أيضا وتثير شرههم.

                  وأخيرا أرفقت بالكتاب وثيقة هـامة جدا، وهي مقال نشرته صحيفة " كيفونيم ريفيو " الإسرائيلية بواسطة الحركة الصهيونية العالمية، وهي ليست ورقة عفوية أو عادية، والكاتب هـو واحد من القدماء العاملين في حقل السياسة الخارجية في إسرائيل، الذي أوضح أن سياسة إسرائيل في الثمانينيات ستعتمد على تقسيم جميع الدول العربية على أساس [ ص: 67 ] عرقي أو عنصري Disintegration.

                  - الأردن : بتقسيمه بين الأردنيين والفلسطينيين، بعد توطينهم هـناك. والعراق : بتقسيمه بين السنة والشيعة - ومصر بإثارة الصدام بين الأقباط والمسلمين. والجزائر : بإشعال الحرب بين القبائل.

                  - أما عن منطقة الخليج ، فتقول الوثيقة، إن هـذه الدول ضعيفة لأن معظم شعبها من الأجانب، وسيكون من السهل إثارة الحرب بينها من أجل البترول.

                  أما تاريخ نشر هـذه الوثيقة فهو شهر يونيو عام 1982م - في الوقت الذي جرى فيه غزو لبنان - وقد قمت بتوزيعها على سفارات الدول العربية جميعها. وفي رأيي أنه من المفيد ترجمتها إلى عشر لغات مثلا وتوزيعها بكميات كبيرة على العالم أجمع. يقول جارودي :

                  لقد سلمت أصول الكتاب إلى مسئول دار النشر التي أتعامل معها، وهي (سييل Seuil ) بباريس ، وهو إنسان ممتاز من أصل بولندي واعتنق الإسلام، وبعد عرض الأصول على مجلس الإدارة، رفضوا طباعته ونشره لأنهم يخشون أن تنسف الدار أو تتعرض للإفلاس بسبب النفوذ الصهيوني المعروف في مجالات النشر والتوزيع والإعلام والصحافة في فرنسا والغرب بصفة عامة، فتركت الكتاب عند أحد المحامين لبحث عن دار أخرى، ربما تكون صغيرة، فتجازف بنشره.

                  وأضاف: وربما إذا توصل المحامي إلى نتائج طيبة يتصل بي. إن ما يهمني هـو التعجيل بالنشر لأنني أنتظر محاكمة في مارس القادم بتهمة معاداة اليهودية والسامية بعد نشر إعلان المبادئ في صحيفة " اللوموند " في يونيو الماضي، والذي أستنكر فيه الغزو الإسرائيلي للبنان . وأود أن يتم النشر قبل المحاكمة، ولكن الكتاب سوف ينشر بإذن الله.

                  وبعد.. ففي الوقت الذي بدأت فيه الحضارة الغربية تمتلك كل الإنجازات المادية، ونعيش نحن أزمة التخلف في وسائلنا لا بد من الاعتراف بأن بعضنا قد يمارس - بغير إرادته - نوعا من التعويض، فيندفع نحو القادمين إلى الإسلام بدون قيد وبلا حدود.

                  فإلى أي مدى نستطيع أن نستفيد من خلال تعاملنا مع الذين يقدمون على اعتناق الإسلام ويدخلون ساحة الأخوة الإسلامية، بالقدر الذي يسمح به تخصصهم واهتمامهم ومعرفتنا الكاملة لخلفيتهم الفكرية والعقائدية؟!

                  " جمادي الأولى 1403 هـ - شباط (فبراير) 1983م " [ ص: 68 ]

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية