الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  دور مادة التربية الإسلامية لا شك أن لمادة التربية الإسلامية بالمدارس الرسمية دورا مؤثرا وأساسيا في بناء ثقافة الطالب المسلم وتأهيله لمرحلة الدراسة العالية، لكنها - فيما نعتقد - لا تعد الطالب لمتابعة الدراسات الشرعية المتخصصة، ألا تعتقدون - باعتباركم تسهمون في التدريس الجامعي - بأن طلاب الكلية الزيتونية من خريجي المدارس الثانوية لا بد لهم من معرفة بأوليات العلوم الإسلامية والشرعية؛ ليكونوا في مستوى يؤهلهم لاستيعاب العلوم الشرعية؛ وذلك حتى لا ينحدر مستوى التعليم العالي الشرعي، ويتوقف عند الأوليات لأولئك القادمين من المدارس العامة؟

                  لا شك في أن أوليات العلوم الإسلامية التي يعتمد عليها التعليم الجامعي تعتبر أس البناء، فالشخص الذي يريد أن يقرأ في التفسير، ويدرس كتاب الله، والفقه لا يستطيع أن يباشر التعليم العالي ما لم تكن لديه مقدمات من العلوم، والوسائل التي لا بد منها، وتعتبر ضرورية، ولا توجد بالتعليم الجامعي باعتبار أن الزمن لا يسمح بالعودة إليها.

                  ونجد اليوم أن من المشاكل التي يواجهها الأستاذ الجامعي أنه عندما يدرس القضايا الكبرى يكون من المحتم عليه - حتى يكون واضحا ويفهم الطلاب ما يقول - أن يعود إلى الركائز الأساسية التي يعتمد عليها، فدراسة العلم تستوجب معرفة مصطلحاته، واللغة العلمية الخاصة به، وهذه بكل أسف غير موجودة، وهي - كما قلت - تعوق [ ص: 129 ] الأستاذ عن التقدم، وتعوق الطالب عن حسن الفهم والتعمق؛ فتنحدر بالتعليم الجامعي حتى يكون دون المستوى، وهذه قضية لا بد من النظر بها نظرة جدية، إذ لا بد من تأهيل الطالب للتعليم العالي.

                  وأذكر أنني اطلعت عام 1966م على دراسة في جريدة " لوموند " الفرنسية عن التعليم في إسرائيل، فوجدت أنه لا يمكن أن ينتهي تلميذ من التعليم الثانوي إلا بعد أن يكون قد أتم دراسة التوراة، وأنه في كل شعبة من شعب التعليم العالي لا تقل الدراسة الدينية التوراتية عن ساعتين أسبوعيا، كيفما كان التخصص، وهذا يقابله في العالم الإسلامي ما سموه بالتربية الإسلامية، وجعلوها في مستوى واحد مع التربية الموسيقية والتربية الرياضية.. الخ، وإن كنت لا أعرف كثيرا مما يوجد في بلدان المشرق، لكن يوجد في بلاد المغرب العربي سرطان انتقل إلينا من بلاد الغرب، هـو سرطان الفوارق، وإعطاء المواد قيما مختلفة، فجاءت القيمة المعطاة للتربية الإسلامية قيمة ضعيفة باعتبار ما أخذ به القائمون من الاهتمام بالتعليم التقني وحث التلاميذ على الاعتناء بالمواد التقنية، وتوهين أمر التعليم الإسلامي.

                  ويمكن في هـذه الحالة أن ينشأ الطالب الذي يستطيع أن يحصل على شيء من العلم، لكن سوف يكون ذلك على حساب ثقافته الإسلامية التي تؤهله للانتفاع بالعلم، وجعله في موقعه الصحيح من خدمة قيمه، وتحقيق إنسانيته، وبذلك يخسر الثقافة والعلم معا.

                  هـذا هـو الواقع؛ يفقد ثقافته وأصالته، وأيضا سعادته في المستقبل. والثقافة الإسلامية أمر هـام في حياة المسلم، ولكني إلى الآن لم أجد نظاما للتعليم في العالم الإسلامي أولاها ما تستحق من الاهتمام، ولا شك أن في هـذا ما يعوق مستوى الخريجين، وهو ما يجعلني أرى أن الفقه أخذ يضمر في العالم الإسلامي، وأن الفقهاء أصبحوا قلة.

                  حتى يكاد المرء يقول بأن مؤسسات التعليم العالي الشرعية أصبحت تخرج موظفين لا علماء، وهذا من الأسباب التي قد تؤدي إلى انقراض العلم بمستوى معين. [ ص: 130 ] نعم، وهذه حقيقة لا بد من تداركها.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية