الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  " الله أكبر " .. والحرية الحقيقية ربما يؤكد هـذا أيضا أن المفهوم الإسلامي للدولة والقانون هـو عكس ما ذهب إليه القانون الروماني، الذي يعتبر أصل القانون الأوروبي، وكل القوانين التي تدور في فلكه.

                  هذا صحيح، فالملكية في المفهوم القرآني - على سبيل المثال - ليست ملكية رأسمالية بمقتضى حق الاستعمال والاستغلال كما هـو الشأن في القانون الروماني، بل الله سبحانه هـو المالك الوحيد، والتصرف في الأشياء الدنيوية ليس سوى وظيفة اجتماعية، واستعمال الملك يكون موجها دائما إلى غايات تتجاوز الفرد في حد ذاته ومصلحته الخاصة. وهذا هـو [ ص: 65 ] الفرق بين النزعة الفردية والنزعة الجماعية، فلا سلطان سوى سلطان الله تبارك وتعالى، وهذا ما يجعلنا نستبعد الملكية المقدسة ( الثيوقراطية ) التي تدعي بأنها تستمد سلطتها من إرادة الله - كما هـو الشأن بالنسبة لملوك أوروبا في القرون الوسطى - والتي تجعل من الأمير ممثلا لله في الأرض، ونستبعد في الوقت نفسه النظام الديمقراطي الذي يعتمد على إسناد الحكم إلى فرد منتخب أو حزب.

                  إن عبارة " الله أكبر " التي يطلقها المسلم للتعبير عن عقيدته: تجعل من كل سلطان ومن كل ملك، ومن كل علم أمرا نسبيا. إن هـذا النداء هـو تعبير عن الحرية الحقيقية، لأنه تأكيد للبعد المتسامي للإنسان، أي تأكيد لقدرته على الخروج من حتمية طبيعته وغرائزه وعاداته وتجاوزها جميعا. وهذه القدرة على التسامي هـي المبدأ الأساسي لكل مجموعة إنسانية حقيقية. وإن ما تميزت به الدولة الإسلامية الأولى - التي أسسها الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة كدولة مثالية - أنها تجاوزت المجموعة القبلية المرتكزة على رابطة الدم، كما تجاوزت رابطة الأرض، ولم تعتمد على مصلحة اقتصادية واحدة أو تاريخ واحد، ولا حتى معطيات طبيعية وجغرافية - أي على " الطبيعة " وعلى " الماضي " ، إنها " دولة رسولية " وأعني بذلك أنها تأسست على إيمان مشترك بالعظمة والكمال الإلهي، وتمثل مجموعة قدسية حقيقة متفتحة على الإنسانية بأسرها، فالخضوع لله وحده والصيغة الجماعية يمثلان البعد السماوي والإنساني اللذين يفتقدهما الغرب اليوم.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية