الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  التوجه صوب الإسلام مطلب جماهير الأمة لا شك بأن التوجه الإسلامي، كما بدا في السودان - وكما هـو واقع المسلمين جميعا بعد رحلة الضنك التي عاناها من التطبيقات غير الإسلامية وما إلى ذلك - مطلب جماهيري؛ وإن كان الفضل في تجديد ذاكرة الجماهير المسلمة تجاه القضية الإسلامية، وتكوين الوعي الجماهيري يعود لرواد يمثلون سرايا الاستطلاع للواقع والتحديات، واكتشاف أمراض المجتمع والتبصير بها.

                  فكيف يمكن للعاملين للإسلام أن يضمنوا الاستمرار، بالفاعلية الجماهيرية نفسها، في حمل أهداف الأمة، وعدم الرجوع إلى مواقع خاصة، أو تشكيل طائفيات، أو طبقة خاصة تنسب إليها هـذه المكاسب، فيخدعها ذلك عن أداء وظيفتها الرسمية فتنتقل القضية من إطار القيم والأفكار لتحبس في إطار الطوائف والأشخاص؟

                  من أخطر الابتلاءات التاريخية التي تجابه الحركات هـي أن تتحول من حيث لا تدري من دعوة منفتحة مقبلة على الناس، تريد أن تستوعبهم للإسلام ولا تنحصر في ذات أمرها ولا تعكف أو تطوف حول نفسها، إلى طائفة مغلقة تزدهي بتاريخها وبرجالها وتريد أن تحتكر الفضل والعلم والكسب كله.

                  والنظر في عبرة تاريخ كثير من الحركات التي بدأت، ثم - من حيث لا تدري - تحولت هـذا التحول المؤسف، وعظنا بعض الشيء هـنا في السودان. وظلت حركة الإسلام فيه تحاول أن تنتبه دائما إلى هـذه العلل التي تسري إليها من هـنا وهناك؛ فهي لم تقم أبدا يوما من الأيام باسمها المتميز، لأن الاسم ذاته محور للتعلق الطائفي، وإنما تحاول دائما أن تدخل في جبهة واسعة من جمهور الإسلام، وتركز على القضية التي يدعى إليها لا إلى الداعين إليها، وتركز على الرسالة دون الرسول. والحمد لله الذي هـيأ لهذا المنهج المتفاعل مع المجتمع، الذي لا يجدد فقط وظائف لجماعة صغيرة مهما كانت صفوة في الإيمان. ولكنه يعبئ طاقات الإيمان في مجتمع واسع. [ ص: 42 ] وأحسب أن هـذه الفاعلية الاجتماعية الواسعة هـي التي يسرت للسودان توجهه، فلم يكن أكثر البلاد تأهلا من حيث استقلاله الفكري أو السياسي أو حتى من حيث عراقة تراثه الإسلامي؛ ولكن الاتساع بتعبئة الطاقة الإسلامية الكامنة في الشعب كما يسرت للإمام المهدي قبل مائة عام في السودان أن يعبئ أهل السودان السذج حول قضايا الدين، وأن يصدم الاستعمار ويكسره في وقت كان الاستعمار فيه أقوى ما كان - كان في عنفوانه وشبابه، وكان يبسط سلطته كذلك - يسرت للسودان الآن، رغم كل التحديات التي تحيط به ؛ وما ذلك إلا بفضل الطاقة الشعبية الواسعة وبفضل الله من قبل ذلك؛ لأن ملايين من المسلمين يدعون إلى الله ويجاهدون في سبيله، أقرب إلى الله من فئة قليلة مهما كان إيمانها. إن توفيق الله سبحانه وتعالى يتجلى هـنا في كثرة الملتمسين لهذا التوفيق.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية