الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                  الاجتهاد المعاصر يقول بعضهم: إن حركة الاجتهاد في العصر الحديث قد بدأها جمال الدين الأفغاني ، إلا أن تلامذته من بعده عادوا تدريجيا إلى الاقتصار على النص، فأصبحوا أقرب إلى التقليد - خاصة محمد رشيد رضا - فهل يمكن وضع هـذه الجهود في إطارها المناسب من حركة الاجتهاد ؟

                  هـذه المقولة تدل على أن قائلها لم يحط علما بمدلول الاجتهاد ومجالاته وشروطه، ولو أحاط بذلك علما لعرف أن المسيرة كانت تصاعدية،ولم تنتكس كما زعموا، بل بدأت بالعموميات والمجملات ثم أخذت تتخصص، وبدأت رجراجة ثم شرعت تنضبط، فالشيخ محمد عبده كان أقرب إلى الانضباط بمحكمات الشرع من شيخه الأفغاني بحكم ثقافته الأزهرية المتعمقة، والسيد محمد رشيد رضا كان أقرب إلى الانضباط بمحكمات الشرع من شيخه الأستاذ الإمام، بما له من سعة اطلاع على كتب [ ص: 156 ] السنة والآثار، وإنتاج المدرسة السلفية التي يمثلها الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وهو الذي شن حملاته القوية من مجلته العتيدة " المنار " على الجمود والتقليد، وكتب المقالات الإصلاحية، والفتاوى العلمية التجديدية خلال ثلث قرن من الزمان، وذاعت اجتهادات الشيخ رشيد ، وفتاواه التجديدية في العالم الإسلامي كله، ولقيت من القبول أكثر مما لقيته اجتهادات شيخه على قلتها، أما السيد جمال الدين فلا نكاد نعرف له اجتهادا معينا، وقد كانت شخصيته شخصية الزعيم " الثائر " الموقظ للعقول، المحرك للمشاعر، المثير للهمم والعزائم، لا شخصية الفقيه المنضبط بأصول وقواعد، وكل ميسر لما خلق له.

                  وقد أخذ على الشيخ محمد عبده بعض آرائه في تأويل القرآن، كقوله في قصة آدم ، وكلامه عن الطير الأبابيل، ونحو ذلك، وعذره أن الحضارة الغربية كانت في أوجها، وكان الانبهار بها على أشده، لذا غلبت النزعة العقلية، ومحاولة إخضاع النص حتى يوافق المفاهيم الجديدة.

                  ومن الإنصاف لمن يريد تقويم شخص ما، وتقدير فكره وعمله، أن يضعه في إطاره التاريخي الخاص، لا يعدو به زمانه ومكانه إلى زماننا نحن ومكاننا، فبعض ما يبدو لنا اليوم واضحا مسلما، لم يكن كذلك في زمنه، فرحم الله امرءا أنصف من نفسه، وأعطى كل عامل ما يستحقه، وأقام الشهادة لله.

                  التالي السابق


                  الخدمات العلمية